وتستدل على خلقك بتيسير الأفعال وتعسيرها، حتى تنقطع علاقة قلبك عن المال فلا تميل إلى بذله ولا إمساكه، بل يصير عندك كالماء، فلا تطلب فيه إمساكه لحاجة محتاج، أو بذله لحاجة محتاج، فكل قلب صار كذلك، فقد جاء الله سليماً في هذا المقام.
ويجب أن يكون سليماً على سائر الأخلاق حتى لا تكون له علاقة بشيء من الدنيا، حتى ترتحل النفس عن الدنيا منقطعة العلائق منها، غير ملتفته إليها، ولا متشوقة إلى أسبابها، فحينئذ ترجع إلى ربها رجوع النفس المطمئنة.
ولما كان الوسط الحقيقي بين الطرفين في غاية الغموض، بل هو أدق من الشعر وأحد من السيف فلا جرم من استوى على هذا الصراط في الدنيا، جاز على مثل هذا الصراط في الآخرة، ولأجل عسر الاستقامة أمر العبد أن يقول في كل يوم مرات {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة: ٦]، ومن لم يقدر على الاستقامة، فليجتهد على القرب من الاستقامة فان النجاة بالعمل الصالح.
ولا تصدر الأعمال الصالحة إلا عن الأخلاق الحسنة، فليتفقد كل عبد صفاته وأخلاقه، وليشتغل بعلاج واحد بعد واحد، وليصبر ذو العزم على مضض هذا الأمر، فإنه سيحلو كما يحلو الفطام للطفل بعد كراهته له، فلو رد إلى الثدي لكرهه، ومن عرف قصر العمر بالنسبة إلى مدة حياة الآخرة حمل مشقة سفر أيام لتنعم الأبد، فعند الصباح يحمد القوم السُّرَى.
واعلم: أن الله تعالى إذا أراد بعبد خيراً بصره بعيوب نفسه، فمن كانت له بصيرة، لم تخف عليه عيوبه، وإذا عرف العيوب أمكنه العلاج، ولكن اكثر الناس جاهلون بعيوبهم، يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه.
فمن أراد الوقوف على عيب نفسه فله في ذلك أربع طرق:
الطريقة الأولى: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، يعرف عيوب نفسه وطرق علاجها، وهذا قد عز في هذا الزمان وجوده، فمن وقع به، فقد وقع بالطبيب الحاذق فلا ينبغي أن يفارقه.
الطريقة الثانية: أن يطلب صديقاً صدوقاً بصيراً متديناً، وينصبه رقيباً على نفسه لينبهه على المكروه من أخلاقه وأفعاله.