يشترى الشهوة ويعلقها في بيته وهو زاهد فيها، يستر بها زهده، وهذا هو نهاية الزهد، الزهد في الزهد بإظهار ضده، وهو عمل الصديقين، لأنه يجرع نفسه كأس الصبر مرتين، والثانية أمر.
وأما شهوة الفرج، فاعلم أن شهوة الوقاع سلطت على الآدمي لفائدتين:
إحداهما: بقاء النسل، والثانية ليدرج لذة يقيس عليها لذات الآخرة، فإن ما لم يدرك جنسه بالذوق، لا يعظم إليه الشوق، إلا أنه إذ لم ترد هذه الشهوة إلى الاعتدال، جلبت آفات كثيرة، ومحناً، ولولا ذلك ما كان النساء حبائل الشيطان.
وفى الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"ما تركت في الناس بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء".
وقال بعض الصالحين: لو ائتمنني رجل على بيت مال، لظننت أن أودى إليه الأمانة، ولو ائتمنني على زنجية أخلو بها ساعة واحدة، ما ائتمنت نفسي عليها.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"لا يخلو رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان".
وقد ينتهي الإفراط في هذه الشهوة، حتى تصرف همة الرجل إلى كثرة التمتع بالنساء فيشغله عن ذكر الآخرة، وربما آل إلى الفواحش، وقد تنتهي بصاحبها إلى العشق، وهو أقبح الشهوات، وأجدرها أن تستحيي منه، وقد يقع عند كثير من الناس عشق المال، والجاه، واللعب بالنرد، والشطرنج، والطنبور، ونحو ذلك، فتستولي هذه الأشياء على القلوب فلا يصبرون عنها.
ويسهل الاحتراز عن ذلك في بدايات الأمور، فإن آخرها يفتقر إلى علاج شديد، وقد لا ينجح، ومثاله من يصرف عنان الدابة عند توجهها إلى باب تريد دخوله، فما أهون منعها يصرف عنانها، ومثال من يعالجه بعد استحكامه، مثال من يتركها حتى تدخل الباب وتجاوزه، ثم يأخذ بذنبها يجرها إلى وراء، وما أعظم التفاوت بين الأمرين!!