ومتى تكبر المتعلم أن يستفيد من غير موصوف بالتقدم فهو جاهل، لأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها، وليدع رأيه لرأى معلمه فان خطأ المعلم أنفع للمتعلم من صواب نفسه.
قال على رضى الله عنه: إن من حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة، وتخصه بالتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تشير عنده بيدك، ولا تغمزن بعينك، ولا تكثر عليه السؤال، ولا تعينه فى الجواب، ولا تلح عليه إذا كسل، ولا تراجعه إذا امتنع، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشى له سراً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا تطلبن عثرته، وان زل قبلت معذرته، ولا تقولن له: سمعت فلانا يقول كذا، ولا أن فلاناً يقول خلافك. ولا تصفن عنده عالماً، ولا تعرض من طول صحبته، ولا ترفع نفسك عن خدمته، وإذا عرضت له حاجة سبقت القوم إليها، فإنما هو بمنزلة النخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شئ.
وينبغى أن يحترز الخائض فى العلم فى مبدأ الأمر من الإصغاء إلى اختلاف الناس، فإن ذلك يحير عقله ويفتر ذهنه.
وينبغى له أن يأخذ من كل شئ أحسنه. لأن العمر لا يتسع لجميع العلوم، ثم يصرف جُمَام قوته إلى أشرف العلوم، وهو العلم المتعلق بالآخرة، الذى به يكتسب اليقين الذى حصله
أبو بكر الصديق رضى الله عنه، حتى شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:"ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر فى صدره"(١) فهذه وظائف المتعلم.
وأما المعلم فعليه وظائف أيضاً:
من ذلك الشفقة على المتعلمين، وأن يجريهم مجرى بنيه، ولا يطلب على إفاضة العلم أجراً، ولا يقصد به جزاءاً ولا شكراً، بل يعلم لوجه الله تعالى، ولايرى لنفسه منة على المتعلمين، بل يرى الفضل لهم إذ هيؤوا قلوبهم للتقرب إلى الله تعالى بزارعة العلم فيها، فهم كالذي يعير الأرض لمن يزرع فيها
(١) خبر موضوع أورده ابن القيم رحمه الله في "المنار المنيف" ص ١١٥ تحت قوله: ومما وضعه جهلة المنتسبين إلى السنة في فضائل الصديق رضى الله عنه. وقال: وهذا من كلام أبي بكر بن عياش، ونقله عنه ملا علي القاري في "الأسرار المرفوعة" ص ٤٧٦ وأقره. وجاء في "المقاصد الحسنة" للسخاوي وغيره من كتب الموضوعات أنه من قول بكر بن عبدالله المزني.