وبهذا ينفصل عن العجب، فان العجب لا يستدعى غير المعجب، حتى لو قدر أن يخلق الإنسان وحده تصور أن يكون معجباً، ولا يتصور أن يكون متكبراً، إلا أن يكون مع غيره وهو يرى نفسه فوقه، فإن الإنسان متى رأى نفسه بعين الاستعظام، حقر من دونه وازدراه، وصفة هذا المتكبر، أن ينظر إلى العامة كأنه ينظر إلى الحمير استجهالاً واستحقاراً.
وكيف لا تعظم آفته، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
وإنما صار حجاباً دون الجنة، لأنه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين، لأن صاحبه لا يقدر أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه، فلا يقدر على التواضع، ولا على ترك الحقد والحسد والغضب، ولا على كظم الغيظ وقبول النصح، ولا يسلم من الازدراء بالناس واغتيابهم. فما من خلق ذميم إلا وهو مضطر إليه.
ومن شر أنواع الكبر ما يمنع من استفادة العلم، وقبول الحق، والانقياد له.
وقد تحصل المعرفة للمتكبر، ولكن لا تطاوعه نفسه على الانقياد للحق، كما قال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[النمل: ١٤]{فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا}[المؤمنون: ٤٧]{إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا}[إبراهيم: ١٠] وآيات كثيرة نحو هذا، وهذا تكبر على الله وعلى رسوله.
وقد تقدم أن التكبر على العباد هو احتقارهم واستعظام نفسه عليهم، وذلك أيضاً يدعو إلى التكبر على أمر الله تعالى، كما حمل إبليس كبره على آدم عليه السلام أن امتنع من امتثال أمر ربه في السجود.
وقد شرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكبر فقال:"الكبر: بطر الحق وغمط الناس". ومعنى غمط الناس: الازدراء بهم، واستحقارهم. ويروى: غمص الناس بمعنى غمط الناس.