فان قلت: إن العمل حصل بقدرتك ولا يتصور العمل إلا بوجودك ووجود عملك وإرادتك وقدرتك فمن أين قدرتك، وكل ذلك من الله تعالى لا منك، فإن كان العمل بالقدرة فالقدرة مفتاحه، وهذا المفتاح بيد الله تعالى، وما لم تعط المفتاح لا يمكنك العمل كما لو قعدت عند خزانة مغلقة لم تقدر على ما فيها إلا أن تعطى مفتاحها.
وفى "الصحيحين" من حديث أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:"ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل".
واعلم: أن العجب يكون بالأسباب التي يقع بها الكبر، وقد سبق ذكرها وعلاجها.
ومن ذلك العجب بالنسب، كما يتخيل الشريف أنه ينجو بشرف آبائه، وعلاجه أن يعلم أنه متى خالف آباءه، وظن أنه ملحق بهم، فقد جهل، وإن اقتدى بهم، فإنه لم يكن العجب من أخلاقهم، بل الخوف والإزراء على النفس.
وإنما شرفوا بالطاعة المحمودة، لا بنفس النسب. قال الله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: ١٣]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"يا فاطمة، لا أغنى عنك من الله شيئاً".
فإن قلت: إنما يرجو الشريف أن يشفع فيه ذوو قرابته.
فالجواب: أن كل المسلمين يرجون الشفاعة، وقد يشفع في الشخص بعد إحراقه بالنار، وقد يقوى الذنب فلا تنجى الشفاعة.
وفي "الصحيحين" من حديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا ألفين (١) أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك".
ومثل المنهمك في الذنوب اعتماداً على رجاء الشفاعة، كمثل المريض المنهمك في الشهوات، اعتماداً على طبيبه الحاذق المشفق، وذلك جهل، فإن اجتهاد الطبيب، ينفع بعض الأمراض لا كلها.
(١) أي، لا أجد ولا ألفى، يقال: ألفيت الشيء: إذا وجدته