ومنهم من يتوسوس في إخراج حروف الفاتحة وسائر الأذكار من مخارجها، فلا يزال يحتاط في التشديدات، والفرق بين الضاد والظاء فوق الحاجة، ونحو ذلك، بحيث يهتم بذلك حتى لا يتفكر فيما سواه، ويذهل عن معنى القرآن والاتعاظ به، وهذا من أٌقبح أنواع الغرور فان الخلق لم يتكلفوا من تحقيق مخارج الحروف في تلاوة القرآن إلا بما جرت به العادة في الكلام.
ومثال هؤلاء مثال من حمل رسالة إلى سلطان، فأخذ يؤدى الرسالة بالتأنق في مخارج الحروف وتكراره، وهو غافل عن مقصود الرسالة ومراعاة حرمة المجلس، فما أحراه بالطرد والتأديب.
وفرقة أخرى اغتروا بقراءة القرآن، فهم يهذونه هذاً، وربما ختموا في اليوم مرتين، فلسان أحدهم يجرى به وقلبه يتردد في أودية الأمانى، ولا يتفكر في معاني القرآن ولا يتعظ بمواعظه، ولا يقف عند أوامره ونواهيه، فهذا مغرور يظن أن المقصود من القرآن التلاوة فقط.
ومثال ذلك، مثال عبد كتب إليه مولاه كتاباً يأمره فيه وينهاه، فلم يصرف عنايته إلى فهمه والعمل به، بل اقتصر على حفظه وتكراره، ظاناً أن ذلك هو المراد منه، مع مخالفته أمر مولاه ونهيه.
ومنهم من يلتذ بصوته بالقرآن، معرضاً عن معانيه، فينبغي أن يتفقد قلبه فيعرف هل التذاذه بالنظم، أو بالصوت، وبالمعاني.
وفرقة أخرى اغتروا بالصوم وأكثروا منه، وهم لا يحفظون ألسنتهم عن الغيبة والفضول، ولا بطونهم من الحرام عند الإفطار، ولا خواطرهم عن الرياء.
ومنهم من اغتر بالحج، فيخرج إليه من غير خروج عن المظالم، وقضاء الديون، واسترضاء الوالدين، وطلب الزاد الحلال، وقد يفعلون ذلك بعد سقوط فرض الحج، ويضيعون في الطريق العبادة والفرائض ويعجزون عن طهارة الثوب والبدن، ولا يحترزون من الرفث والخصام، وهم مع ذلك يظنون انهم على خير وهم مغرورون.
وفرقة أخرى أخذوا في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ونسوا أنفسهم.
ومنهم من يؤم في مسجد، ولو تقدم عليه أورع منه وأعلم، ثقل عليه.