الحالة الثالثة بعد الفراغ من العمل: وهى الصبر عن إفشائه، والتظاهر به لأجل الرياء والسمعة، وعن كل ما يبطل عمله، فمن لم يصبر بعد الصدقة عن المن والأذى أبطلها.
القسم الثاني: الصبر عن المعاصي، وما أحوج العبد إلى ذلك.
ثم إن كان الفعل مما تيسر فعله، كمعاصي اللسان من الغيبة، والكذب والمراء ونحوه، كان الصبر عليه أثقل، فترى الإنسان إذا لبس حريراً استنكر ذلك، ويغتاب أكثر نهاره، فلا يستنكر ذلك. ومن لم يملك لسانه في المحاورات، ولم يقدر على الصبر، لم ينجه إلا العزلة.
القسم الثالث: ما لا يدخل تحت الاختبار: كالمصائب، مثل موت الأحبة، وهلاك الأموال، وعمى العين، وزوال الصحة، وسائر أنواع البلاء، فالصبر على ذلك من أعلى المقامات، لأن سنده اليقين.
وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:"من يرد الله به خيراً يصب به".
وقريب من هذا القسم، الصبر على أذى الناس، كالذي يؤذى بقول أو فعل أو جناية على نفسه أو ماله، والصبر على ذلك يكون بترك المكافآت.
والصبر على أذى الناس من أعلى المراتب، قال الله تعالى:{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[آل عمران: ١٨٦]. وقال {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}[الحجر: ٩٧] وقال: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}[النحل: ١٢٦].
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"الصبر ثلاثة: صبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، فمن صبر عن المصيبة حتى يردها بحسن عزائها، كتب الله له ثلاثمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الأخرى كما بين السماء والأرض، ومن صبر على الطاعة كتبت له ستمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش، ومن صبر على المعصية كتب الله له تسعمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش مرتين"(١).
(١) أخرجه ابن أبى الدنيا في "فضل الصبر" وأبو الشيخ في "الثواب" من حديث علي رضي الله عنه وسنده ضعيف.