وهما مشتملتان على مفاصل كثيرة لتتحرك في الجهات وتمتد وتنثني، ولا تكون كخشبة منصوبة.
ثم جعل رأس اليد عريضاً، وهو الكلف، وقسمه خمسة أقسام، وهى الأصابع وجعلها مختلفة في الطول والقصر، ووضعها في صفين، بحيث يكون الإبهام في جانب، ويدور على الأصابع البواقى، ولو كانت مجتمعة متراكمة، لم يحصل تمام الغرض، ثم خلق لها أظافر، وأسند إليها رؤوس الأصابع، لتقوى بها، ولتلتقط بها بعض الأشياء الدقيقة التي لا تحويها الأصابع، ثم هب أنك أخذت الطعام باليد، فلا يكفيك حتى يصل إلى باطنك، فجعل لك الفم واللحيين، خلقهما من عظمين، وركب فيهما الأسنان، وقسمها بحسب ما يحتاج إليه الطعام، فبعضها قواطع كالرباعيات، وبعضها يصلح للكسر كالأنياب، وبعضها طواحن كالأضراس، وجعل اللحى الأسفل متحركاً حركة دورية، واللحى الأعلى ثابتاً لا يتحرك، فانظر إلى عجيب صنع الله تعالى، وإن كل رحى صنعها الخلق يثبت منها الحجر الأسفل ويدور الأعلى، إلا هذه الرحى التي هي من صنع الله سبحانه وتعالى، فإنه يدور منها الأسفل على الأعلى، إذ لو دار الأعلى خوطر بالأعضاء، الشريفة التي يحتوى عليها.
ثم انظر كيف أنعم الله عليك بخلق اللسان، فإنه يطوف في جوانب الفم، ويرد الطعام من الوسط إلى الأسنان بحسب الحاجة، كالمجرفة التي ترد الطعام إلى الرحى، هذا مع ما فيه من عجائب قوة النطق.
ثم هب أنك قطعت الطعام وعجنته وهو يابس، فلا تقدر على الابتلاع إلا بأن ينزلق إلى الحلق بنوع رطوبة.
انظر كيف خلق الله تعالى تحت اللسان عيناً يفيض منها اللعاب، وينصب بقدر الحاجة حتى ينعجن به الطعام.
ثم هذا الطعام المطحون المعجون من يوصله إلى المعدة وهو في الفم، فإنه لا يمكن إيصاله باليد، فهيأ الله تعالى المريء (١) والحنجرة، وجعل رأسها طبقات ينفتح لأخذ الطعام، ثم ينطبق وينضغط حتى يقلب الطعام، فيهوى في دهليز المريء إلى المعدة، فإذا ورد الطعام إلى المعدة وهو خبز وفاكهة مقطعة، فلا يصلح أن يصير لحماً
(١) قال في "القاموس": والمريء، كأمير: مجرى الطعام والشراب، وهو رأس المعدة والكرش اللاصق بالحلقوم.