للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كثيرة مشهورة، ومن أحسن آدابها الخشوع.

وقد روى عن عثمان [بن عفان] رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "ما من امرئ تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله".

وله فى حديث أيضا عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه".

وكان [عبد الله] ابن الزبير رضى الله عنهما إذا قام فى الصلاة كأنه عود من الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذع حائط، وصلى يوماً فى الحِجْر (١) فجاء حجر قذافة (٢) فذهب ببعض ثوبه فما انفتل.

وقال ميمون بن مهران: ما رأيت مسلم ين يسار ملتفتاً فى صلاة قط، ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع أهل السوق لهدتها، وإنه لفى المسجد يصلى فما التفت، وكان أهل بيته إذا دخل المنزل سكتوا، فإذا قام إلى الصلاة تكلموا وضحكوا.

وكان على بن الحسن رضى الله عنهما إذا توضأ اصفر لونه، فقيل له: ما هذا الذى يعتادك عند الوضوء؟ فقال: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟

وأعلم: أن للصلاة أركانا وواجبات وسنناً، وروحها النية والإخلاص والخشوع وحضور القلب، فان الصلاة تشتمل على أذكار ومناجاة وأفعال، ومع عدم حضور القلب لا يحصل المقصود بالأذكار والمناجاة، لأن النطق إذا لم يُعِربُ عما فى الضمير كان بمنزلة الهذيان، وكذلك لا يحصل المقصود من الأفعال، لأنه إذا كان المقصود من القيام الخدمة، ومن الركوع والسجود الذل والتعظيم، ولم يكن القلب حاضراً، لم يحصل المقصود، فان الفعل متى خرج عن مقصوده بقى صورة لا اعتبار بها، قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: ٣٧] والمقصود أن الواصل إلى الله سبحانه وتعالى هو الوصف الذى استولى على القلب حتى حمل على امتثال الأوامر المطلوبة، فلا بد من حضور القلب فى الصلاة، ولكن سامح الشارع فى غفلة تطرأ لأن حضور القلب فى أولها ينسحب حكمه على باقيها.


(١) الحجر: حطيم الكعبة.
(٢) القذافة: المنجنيق.

<<  <   >  >>