للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال إبراهيم النخعى رحمه الله: إذا كان البنيان كفافاً، فلا أجر ولا وزر.

وفى الجملة: إن كل ما يراد للضرورة فلا ينبغي أن يجاوز حد الزهد.

الرابع: أثاث البيت، فينبغي للزاهد أن يقتصر فيه على الخزف، ويستعمل الإناء الواحد في مقاصده، فيأكل في القصعة، ويشرب فيها، ومن خرج إلى كثرة العدد في الآلة، أو في نفاسة الجنس، خرج عن الزهد.

ولينظر إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ففى "صحيح مسلم" من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مضطجع على حصير، وإذا الحصير قد أثر على جنبه، فنظرت في خزانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا أنا بقبضة من شعير، نحو الصاع. وفى رواية البخاري: فوالله ما رأيت شيئاً يرد البصر. والحديث مشهور في "صحيح مسلم" (١).

وقال على رضى الله عنه: تزوجت فاطمة وما لى ولها فراش إلا جلد كبش، كنا ننام عليه بالليل، ونعلف عليه الناضح بالنهار، ومالي خادم غيرها، ولقد كانت تعجن، وإن قصتها (٢) لتضرب حرف الجفنة من الجهد الذي بها.

ودخل رجل على أبى ذر رضى الله عنه، فجعل يقلب بصره في بيته، فقال: يا أبا ذر‍‍‍‍? ما أرى في بيتك متاعاً، ولا أثاثا. فقال: إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا. فقال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا، فقال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه.

الخامس: المنكح، لا معنى للزهد في أصل النكاح، ولا في كثرته.

قال سهل بن عبد الله: حبب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النساء.

وكان على رضى الله عنه من أزهد الصحابة، وكان له أربعة نسوة، وبضع عشرة سرية.

وكان أبو سليمان الدارانى يقول: كل ما شغلك عن الله، من أهل، ومال، وولد، فهو مشؤوم.

وكشف الغطاء عن ذلك أن نقول: من غلبت عليه شهوته وخاف على نفسه، تعين عليه النكاح، فأما من لا يخاف، فهل النكاح في حقه أفضل أو التعبد؟ فيه اختلاف بين


(١) انظر "صحيح مسلم" رقم (١٤٧٩) في الزهد: باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن.
(٢) القصة، بالضم: شعر الناصية.

<<  <   >  >>