للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقواه على ذلك حسب المحمدة، كما سبق ذكره في كتاب الرياء.

ولابد من الزهد في فضول الأموال والجاه جميعاً، حتى يكمل الزهد في حظوظ النفس، فأول معرفة الزهد مشكل.

وقد قال ابن المبارك: أفضل الزهد إخفاء الزهد، وينبغى أن يعول في هذا على ثلاث علامات.

الأولى: أن لا يفرح بموجود، ولا يحزن بمفقود، كما قال تعالى {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: ٢٣] وهذا علامة الزهد في المال.

الثاني: أن يستوي عنده ذامه ومادحه، وهذه علامة الزهد في الجاه.

الثالث: أن يكون أنسه بالله، والغالب على قلبه حلاوة الطاعة.

فأما محبة الدنيا ومحبة الله تعالى، فهما في القلب كالماء والهواء في القدح، إذا دخل الماء خرج الهواء، فلا يجتمعان.

قيل لبعضهم: إلام أفضى بهم الزهد؟ قال: إلى الأنس بالله.

قال يحيى بن معاذ: الدنيا كالعروس، ومن يطلبها ماشطتها (١)، والزاهد يسخم (٢) وجهها، وينتف شعرها، ويخرق ثوبها، والعارف مشتغل بالله تعالى عنها.

فهذا الإمام أردنا ذكره من حقيقة الزهد وحكامه.

وإذا كان الزهد لا يتم إلا بالتوكل فلنشرع في بيانه إن شاء الله تعالى.

...


(١) الماشطة: التي تحس المشط وحرفتها ومعناها هنا: تزينها.
(٢) يقال: سخم الله وجهه: أي سوده من السخمة وهى السواد.

<<  <   >  >>