للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مصرعي هذا؟ ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا؟ ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه؟ ثم قبض رحمه الله.

وبكى سليمان الفارسي عند موته، فقيل له، ما يبكيك؟ فقال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون زاد أحدنا كزاد الراكب، وحولي هذه الأزواد. وقيل: إنا كان حوله إجانة وجفن ومطهرة.

وروى المزني قال: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقلت له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقاً، ولسوء عملي ملاقياً، ولكأس المنية شارباً، وعلى الله وارداً، ولا أدرى أروحى تصير إلى الجنة فأهنئها، أم إلى النار فأعزيها، ثم أنشد يقول:

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني بعفوك سلماً

تعاظمي ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربى كان عفوك أعظما

وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منة وتكرماً

قيل: كان أبو الدرداء رضى الله عنه يقعد إلى القبور، فقيل له ذلك، فقال أجلس إلى قوم يذكروني معادى، وإن غبت لم يغتابوني.

وقال ميمون بن مهران: خرجت مع عمر بن عبد العزيز إلى المقبرة، فلما نظر إلى القبور بكى، ثم أقبل على فقال: يا ميمون، هذه قبور آبائي بنى أمية، كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذاتهم وعيشهم، أما تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات، واستحكم فيهم البلاء، وأصاب الهوام مقيلاً في أبدانهم، ثم بكى وقال: والله ما أعلم أحداً أنعم ممن صار إلى هذه القبور، وقد أمن من عذاب الله تعالى.

وتستحب زيارة القبور، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة" ومن زار قبراً فليستقبل وجه الميت، وليقرأ شيئاً من القرآن ويهديه له، ولتكن الزيارة يوم الجمعة.

وقد روى أنه لما مات عاصم الجحدرى رآه رجل من أهله في المنام بعد موته بسنتين فقال له: ألست قد مت؟ قال: بلى. قال: وأين أنت: قال عاصم: أنا والله في روضة من رياض الجنة، أنا ونفر من أصحابى، نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى أبى بكر بن عبد الله المزني نتلاقى أخباركم، قال: قلت له: أجسامكم أم

<<  <   >  >>