الميزان والصراط، وهذه أهوال يجب الإيمان بها، وينبغى تطويل الفكر فيها، وجمهور الناس لم يتمكن من قلوبهم الإيمان بالآخرة، ولو أن الإنسان لم يشاهد توالد الحيوانات، ثم قيل له: إن صانعاً يصنع من هذه النطفة القذرة مثل هذا الآدمي المتصور العاقل المتكلم، لاشتد نفور طبعه عن التصديق بذلك، فخلفه على ما قيل من العجائب، يزيد على بعثه وإعادته. وكيف ينكر ذلك من قدرة الله تعالى وحكمته من يشاهد البداية؟ فإن كان في إيمانك ضعف، فقوة الإيمان بالنظر إلى النشأة الأولى، فإن الثانية مثلها وأسهل منها، وإن كنت قوى الإيمان بها، فأشعر قلبك تلك المخاوف والأخطار، وأكثر فيها التفكير والاعتبار، وليحثك ذلك على الجد والتشمير، وأول ما يقرع أسماع الموتى صوت إسرافيل حين ينفخ ذلك في الصور، فصور نفسك وقد قمت ذاهلاً مبهوتاً شاخصاً نحو النداء. قال الله تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}[يس: ٥١].
عن أبى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " كيف أنعم وصاحب الصور قد حنى جبهته، وأصغى بسمعه، ينتظر أن يؤمر أن ينفخ في الصور فينفخ؟ " قال المسلمون: كيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا "حسبنا الله ونعم الوكيل، وتوكلنا على الله" ثم انظر كيف يحشر الناس يوم القيامة، فيساقون بعد البعث حفاة عراة إلى أرض المحشر، وهى قاع ليس فيها ربوة يختفي الإنسان بفنائها.
وفى "الصحيحين" قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النَّقي".
ثم تفكر في ازدحام الناس، وقرب الشمس من رؤوسهم، وشدة العرق، مع ما في القلوب من القلق.
وفى الحديث:"إن العرق يأخذ الناس على قدر أعمالهم".
وتفكر يا مسكين في سؤال ربك لك عن أعمالك بغير واسطة، فقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطاير الصحف، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله".
وعن أبى برزة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا