سلوك طريقها، والأولى بالعالم أيضاً أن يقسم أوقاته، لأن استغراق الأوقات في العلم لا تصبر عليه النفس، فينبغي أن يخص ما بعد الصبح إلى طلوع الشمس بالأذكار والأوراد على ما ذكرنا، ثم ما بعد طلوع الشمس إلى الضحى في الإفادة والتعليم، فإن لم يكن عنده من يتعلم، صرف ذلك الزمان إلى التفكير في العلوم، فان صفاء القلب بعد الفراغ من الذكر وقبل الاشتغال بهموم الدنيا يعين على التفطن للمشكلات، ثم من ضحوة النهار إلى العصر للتصنيف والمطالعة، لا يترك ذلك إلا في وقت أكل، أو طهارة، أو مكتوبة، أو قيلولة، ومن العصر إلى اصفرار الشمس بسماع ما يقرأ عليه من تفسير، أو حديث، أو علم نافع، ومن الاصفرار إلى الغروب يشتغل بالاستغفار والتسبيح، فيكون ورده الأول من عمل اللسان، والثاني بى عمل القلب بالتفكير، والثالث في عمل العين واليد والمطالعة والنسخ، والرابع بعد العصر صفى عمل السمع لتتروح العين واليد، فان المطالعة والنسخ بعد العصر ربما أضرا بالعين.
وأما الليل: فأحسن قسمة فيه قمسة الشافعي رحمه الله، فانه كان يقسمه ثلاثة أجزاء: الثلث الأول لكتابة العلم، والثاني للصلاة، والثالث للنوم، فأما الصيف، فربما لا يحتمل ذلك، إلا إذا كان أكثر النوم بالنهار.
الثالث: حال المتعلم: فإن المتعلم أفضل من التشاغل بالأذكار والنوافل، وحكم المتعلم حكم العالم في ترتيب الأوراد، لكنه يشتغل بالاستفادة حين يشتغل العالم بالإفادة، وبالتعليق والنسخ حين يشتغل العالم بالتصنيف، فإن كان من العوام كان حضوره مجالس الذكر والعلم والوعظ أفضل من اشتغاله بالأوراد المتطوع بها.
الرابع: الوالي: مثل الإمام، والقاضى، أو المتوفى للنظر في أمور المسلمين، فقيامه بحاجات المسلمين وأغراضهم على وفق الشرع وقصد الإخلاص أفضل من الأوراد المذكورة، لأنه عبادة يتعدى نفعها، فينبغي أن يقتصر في النهار على المكتوبات، ثم يستفرغ باقي الزمان في ذلك، ويقنع بأوراد الليل.
الخامس: المحترف: وهو محتاج إلى الكسب له أو لعياله، فليس له أن يستغرق الزمان في التعبد، بل يجتهد في الكسب مع دوام الذكر، فإذا حصل له ما يكفيه عاود الأوراد.
السادس: المستغرق بمحبة الله سبحانه: فهذا ورده بعد المكتوبات حضور القلب مع الله تعالى، وهو يحركه إلى ما يريد من ورده.