وقيل لأحمد بن حنبل: ما تقول فى رجل جلس فى بيته أو مسجده وقال: لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي؟ فقال أحمد: هذا رجل جهل العلم، أما سمع قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم:"إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحى"، وقال حين ذكر الطير:"تغدو خماصاً وتروح بطاناً".
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يَتّجرون فى البر والبحر، ويعملون فى نخلهم، والقدوة بهم.
وقال أبو سليمان الداراني: ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك وغيرك يتعب لك، ولكن أبدأ برغيفيك فاحرزهما ثم تعبد، فان قيل: قال أبوالدرداء: زاولت التجارة والعبادة فلم يجتمعا، فاخترت العبادة؟ فالجواب: أنا لا نقول: إن التجارة لا تراد لذاتها، بلا للاستغناء عن الناس، وإغناء العائلة، وإفاضة الفضل على الإخوان، فأما إن كان المقصود نفس المال وجمعه، والتفاخر ونحو ذلك، فهو مذموم، وليكن العقد الذى به الاكتسابجامعاً لأمور أربعة: الصحة، والعدل، والإحسان، والشفقة على الدين.
الأمر الأول: فى الصحة، فان كان العقد بيعا، فله ثلاثة أركان: العاقد والمعقود عليه، واللفظ.
الركن الأول: أما العاقد، فينبغي للتاجر أن لا يعامل المجنون، لأنه غير مكلف، فلا يصح بيعه، ولا يعامل العبد إلا أن يعلم أنه مأذون له، وكذلك الصبى لا يعامل إلا أن يكون قد أذن له الأب أو الوصى، فيصير بمنزلة العبد المأذون له، وعند الشافعي لا تصح عقود الصبى، ومعاملة الأعمى عندنا صحيحة، يصح بيعه وشراؤه، وعند الشافعي لا تصح.
وأما الظَّلمة ومن أكثرُ مالِهِ حرامُ، فلا ينبغي أن يعامل إلا فى شئ يعرف أن عينه حلال.
الركن الثاني: المعقود عليه، وهو المال المقصود نقله، ولا يجوز بيع الكلب، لأنه نجس العين. فأما البغل والحمار فيجوز بيعهما، سواء قلنا: إنهما طاهران أو نجسان، ولا يجوز بيع الحشرات، ولا بيع العود والمزمار، والصور