للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دليل التحق بالوسوسة، فأما إن ظهر عليه أثر صدمة أو جراحة أخرى التحق بالنوع الأول.

النوع الرابع: أن يكون الحل معلوماً، ولكن يغلب على الظن طريان المحرم بسبب معتبر في غلبة الظن شرعاً، مثاله أن يؤدى اجتهاده إلى نجاسة أحد الإناءين بالاعتماد على علامة معينة توجب عليه الظن، فتوجب تحريم شربه، كما أوجب منع الوضوء به.

المثال الثاني: أن يختلط الحرام بالحلال، ويشتبه الأمر فيه. وذلك على أضرب:

أحدها: إذا اختلطت ميتة بُمذكّاة، أو بعشرة من المذكيات، ونحو ذلك من العدد المحصور، ومثله أن تشتبه أخته بأجنبيات، فهذه شبهة يجب اجتنابها.

الثاني: أن يختلط حرام محصور بحلال غير محصور، كما لو اشتبهت أخته أو عشر رضائع بنسوة بلد كبير، فلا يلزم بهذا اجتناب نكاح أهل البلد، بل له أن ينكح من شاء منهن، لأن في تحريمهن حرجا كبيراً، وكذلك من علم أن مال الدنيا خالطه حرام قطعاً، لم يلزمه ترك الشراء والأكل، لأن في ذلك حرجاً، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أن في الناس من يرابى، وما تركو الدراهم بالكلية، وأن مِجَنَّاً سُرِقَ في زمانه، وما تركوا شراء مجن، فاجتناب هذا من ورع الوسوسة.

الثالث: أن يختلط حرام لا يحصر بحلال لا يحصر، كحكم الأموال في زماننا هذا، فلا يحرم بهذا الاختلاط تناول شئ بعينه، إلا أن يقترن بتلك العين علامة تدل على أنه من الحرام نحو أن يأخذه من يد سلطان ظالم، فإن لم يكن له علامة، فتركه ورع، ولا يحرم ذلك، لأنه قد علم في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء بعده أن أثمان الخمور ودراهم الربا وغلول الغنيمة اختلطت بالأموال، وقد أدركت الصحابة نهب المدينة وتصرف الظلمة ولم يمنعوا من الشراء بالسوق، ولولا صحة ذلك لانسد باب جميع التصرفات فإن الفسق يغلب على الناس، لكن الأصل في الأموال الحل، وإذا تعارض اصل وغالب، ولا أمارة على الغالب، حكم بالأصل، كما قلنا في طين الشوارع وأواني المشركين، فقد توضأ عمر رضى الله عنه من جرة نصرانية، مع أن مشربهم الخمر ومطعمهم الخنزير ولا يحترزون من نجاسة، وكانت الصحابة تلبس الفراء المدبوغة والثياب المصبوغة.

<<  <   >  >>