قالَ أَبو عَلِيّ في قولِهِ تَعالى:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا} لا مَعنى لِلتَّقليلِ فيها، لأنَّه لا حُجَّة عَلَيهم فِيه. قالَ الجُرجَانِيُّ: شَبَّهَ شَيخُنا مَجِئ "رُبَّ" لِلتَّكثِير بما يَجِئُ من الاستفهامِ على طَريقِ التَّقرير كَقَولِهِ: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} وقولِ جريرٍ:
أَلَستُم خَيرَ من رَكِبَ المَطايا
فأصلُ الهَمزة للاستِفهامِ كما أنَّ أصلَ رُبَّ للتقليلِ، ثمَّ غَلَبَ عليها التَّكثيرُ، كما غَلَبَ على "كم" التَّقليلُ وكما غَلَبَ التَّقريرُ على الاستفهامِ. فهذا أَقصى ما يُقالُ في هذا المَوضع". انتهى.
ومن هذا النَّصِّ تظهر سمات شرح الأندلسي التي أشرت إليها فأنت ترى كيف توسع في شرح هذه المسألة وعرض أقوال العلماء فيها عرضًا مفصّلًا، وهذا النّص من متوسط شرحه للمسائل النحوية فهناك مسائل فصل فيها أكثر مما فصل في هذه المسألة، وأورد أقوال العلماء أكثر مما أورده هنا.
أما إهمال الأندلسي للمصادر التي ينقل عنها فيظهر في هذا النص في عرضه لمسألة الخلاف بين البصريين والكوفيين، فيظهر لي أنّه نقلها عن "الإِنصاف" لابن الأنباري: ص ٨٣٢ مسألة: (١٢١) وقد يكون استفادها من التَّبيين للعكبري، والكتاب مرويٌّ بسنده هو عن العكبري، فلا يَبعد أنَّه نقلها عنه، وهذه المسألة ليست ضمن الموجود من كتاب التَّبيين للعكبري فالنسخة الموجودة منه ناقصة، وهو على أي حال لم يشر إلى ابنِ الأَنباري، ولا إلى العكبري، وهو إنما نقلها من أحدهما. ومن قوله: وربَّما توهَّم بعض النحويين … نَصٌّ نقله الأندلسي عن مسألة (رُبَّ) لابن السيد البطليوسي ٥٢١ هـ ذكرها ضمن كتابه: (المسائل والأجوبة)، انظر ورقة (٤٨) من نسخة (دَبِلن). ولم يُشر إلى ابنِ السّيد ولا إلى كتابه والأندلسي يُحافِظُ على المَنهج المحافظ فلا ترى في نصه معارضة لعامة النحويين، ولا دعوة إلى مخالفة قاعدة أو تعليل نحوي مسلّم كما يفعل الخوارزمي وفي هذا النص