للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَليها ويذمُّ حَسَدًا، فإنَّ الناقِصَ لا يُلتَفَتُ إليه، ومنهُ قولُ الشَّاعر:

ولا خَلوتَ الدَّهرَ من حاسِدٍ … فإنَّما الفاضِلُ من يُحسَدُ

وعلى هذا يُتَأوّلَ ما جاءَ فيه "رُبَّ" للتَّكثِيرِ لتَرُدَّها إلى أصلِها الّذي هو التَّقلِيلُ، وَتقسِيمُها إلى الحَقيقة والمَجازِ ولا تَجمُد فَتجعَلها على قِسمين للتَّقلِيل والتَّكثيرِ، فإن ذلِكَ لا عِلم فيهِ ولا فَضلٌ.

ورُبَّما توَهَّمَ بعضُ النَّحويين ذلِكَ من كلامِ سيبويه حيثُ قالَ في بابِ "كَم": ومعنَى كَمْ كمعنى رُبَّ، فظنَّ أنَّ سيبويه يَعتَقِدُ أنَّها على ضَربين، وليس الأمرُ كذلِكَ بل أجمَعَ جَماهيرُ النَّحويين أنَّها للتقليلِ، وأنَّها نَقيضَةُ كَمْ في ذَلِكَ كالخليلِ، وسيبويه، وعيسى بن عُمَرَ، ويُونس، وأَبي زَيدٍ الأنصارِيّ، وأبي عَمرو بن العَلاء والأخفش، والمازِني، والجَرمِيّ والمُبَرّدِ، وابنِ السّراجِ، والزَّجاج، والفَارِسِي، والسِّيرافِيّ والرُّمانِيّ وابنِ جِنيّ. وكذلِكَ جماعةٌ من الكُوفِيّين كالكسائِي والفَرّاء، ومعاذٍ، وابن سَعدان وهِشامٍ. غيرَ أنّه ذَكَرَ صَاحبُ (العَين) أنَّها للتَّكثير، ولم يَذكُرَ أنَّها للتَّقلِيلِ. وذكَر الفارابِيُّ في كتاب (الحُرُوفِ) أنَّها للتقليلِ والتَّكثيرِ، والّذي يَدُلُّ على أنَّ سيبويه يَعتَقِدُ أنَّها للتَّقلِيل أنَّه إذا أراد أن يَحكِي شَيئًا قَليلًا شاذًّا قالَ: ورُبَّ شيءٍ هكذا، يَعني أنَّه شَيءٌ قَليلٌ نادِرٌ، مع أنَّه لم يُنَازِع أنَّها للتَّقليل أحَدٌ مما علمناه.

وصرّح به كل من شرح الكتاب كالسّيرافي والكسائي. والصِّقِلي، والخصِيبِ، وابنِ السَّرّاج، وقد فَسّر أبو عليّ هذا الموضع فقالَ: إنّما قَالَ مَعنى "كَمْ" مَعنى "رُبّ" لأنَّها تشارِك "رُبَّ" في أنَّهما يَقَعَانِ صدرًا وأنّهما لا يَدخُلان إلّا على نَكِرَةٍ، وأنّ الاسمَ المَنكورَ بعدَهُما يَدُلُّ على أكثَر من واحدٍ.

وكذلِكَ قالَ ابنُ دُرُستَوَية في شَرحِ هذا المَوضِعِ. قالَ في "حَواشي المُفَصَّلِ" وقد تُستَعمَلُ رُبَّ بِمعنى كَمْ وأنشَدَ بيتَ الحَماسَةِ:

فإن تُمسِ مَهجُورَ الفِنَاءِ فرُبَّما

وقالَ: وَنظيرُها في ذَلِكَ "قَدْ" فإنَّها تُقَلِّلُ المُضَارِعَ، ثُمَّ قد تُستَعمَل لِلتَّكثِيرِ كَقَولِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>