قالَ المُشَرِّحُ:"كاد" لما كان لمقاربة الأمر على سبيل الوجود والحصول أجري مجرى "حصل"(١)، ولذلك سقط عن خبره "أن" بخلاف "عسى" فإنه لمقاربة الأمرِ على سبيل الرِّجاء والطَّمع، ومن ثَمَّ قالوا: إنَّ "كاد" أبلغُ في تقريب الشيءِ من الحال و"عسى" أَذهب في الاستقبال. ألا تَرى أنَّك لو قلتَ: كادَ يذهبُ بعد عام لم يجز؛ لأنَّ "كاد" توجب أن تكونَ شديدةَ القربِ من الحال، ولو قلت: عسى الله أن يدخلني برحمته الجَنَّةَ لكان جائزًا، وإن لم تكن شديدة القرب من الحال، وكذلك قوله:
* … وَمَا كِدْتُ آيِبَا *
بمعنى وما حَصَلَتْ آيبا، ولو كان بمعنى القُرب لما كان له ها هُنا معنى. قولهم:"عسَى الغُوير أبؤُسًا" معناه: قارب الغوير أَبؤسًا.
قالَ جارُ اللهِ:" (فصل): وقد شَبَّه "عسى" بـ "كاد" من قال:
عَسَى الكَرْبُ الَّذي أَمْسَيْتُ فيه … يكونُ وراءَه فرجٌ قَرِيْبُ
و"كاد" بـ "عسى" من قال:
* قَدْ كَادَ من طُولِ البِلَا أَنْ يَمْصَحَا "
قالَ المُشَرِّحُ:"كادَ أصله أن يكون مقرونًا بـ "أن" لأنه في الأصل من أفعال المقاربة وهذه حقيقة مهجورةٌ؛ لأن "كادَ" قد خرج إلى معنى "حصل" على ما ذكرته وهو مجاز مستعمل.