للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"إذا" فهو بعينه معنى الوَقت، ألا تَرى أنك إذا قُلتَ: آتيتك إذا احمَرَّ البُسر فالمعنى أتيتك وقتَ احمرار البُسر؟

أجبتُ: معنى "إذا" لو اقتصر على معنى الوقت لما غير الماضي بدخوله عليه إلى الاستقبال، ولما جاز دخول الفاء في بعض الممواضع في جزائه، وذلك نحو: إذا دخلتِ الدَّار فأنتِ طالقٌ، بل جرى مجرى الوقت حينئذٍ، ومن أجل ما ذكرناه حكموا على "إذا" بالاسمية، وعلى ["إن"] (١) بالحرفية لأنه لم يتمخض دلالة "إذا" على ذلك وتمخض دلالة "إن" عليه. ومما ينتبهك على الفرق بينهما قول أصحابنا [رحمهم الله] (٢) في مَنْ قال لامرأته: أنتِ طالقٌ إن لم أطلقك: بأنّها لا تطلق حتى يموتَ الزَّوج (٣)، لأن كلمةَ "إن" للشرطِ، وقد جَعل شرطُ الطلاقِ عدمُ التَّطليق، ولا يُتحقق عدمُ التَّطليقِ إلا باليَأْسِ عن الحياة وذلك ينتهي إلى آخرِ جزءٍ من أجزاءِ حياتِهِ. ولو قال: أنتِ طالقٌ إذا لم أطلقك فكلما سَكَتَ وقع الطَّلاق عِند أبي يُوسف ومحمّد، لأن "إذا" للوقت وعند أبي حنيفة [رحمه الله] (٢)، وإن كانت لا تَطلق في الحال، لكن لا، لأنه لم (٣) تمخض "إذا" لمعنى الشرط، بل لكونه أحيانا بمعناه، وحينئذ يكون حرفًا بمنزلة "إن"، قال (٤):

* وَإِذَا تُصِبْكَ خَصاصَةٌ فَتَحَمَّلِ *

فإذا أُريد به الوقَتُ فكما فَرَغَ من ذلك الكلام وقع الطلاق، وإن أريد به الشرط لم يقعُ للحال، فلا يقعُ بالشك والاحتمال.


(١) في (أ): "إذا".
(٢) في (أ).
(٣) ساقط من (ب) موجودة في نص الأندلسي المنقول من هنا.
(٤) ينسب هذا البيت إلى حارثة بن بَدْرٍ الغُداني شعره (ص ٣٥٨) (شعراء أمويون) وإلى عبد قيسِ بن خِفاف وهو في المُفضليات (ص ٣٨٥) والأصمعيات (ص ٢٣٠)، وشرح المفضليات (ص ٧٥٢). وينظر: معاني القرآن (٣/ ١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>