للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك "ما" في قوله (١): {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} كأنه قيل: فبرحمة من الله لنت لهم، ولا يجوز أن يقال خلاف ذلك، من أنك لنت لا برحمة من اللهِ وكذلك قوله (٢):

* فِي بِئْرِ لا حُوْدٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ *

أي: ما سرى في بئر حور. "لا" في قولك: ما جاءني زيد ولا عمرو هي المحققة للنفي. قال عليُّ بن عِيْسى: ولو قلت: ما جاءني زيد وعمرو لاحتمل أن يكون إنما نفيت أن يكونا اجتمعا في المجيء. والفرق بين المُحَقِّقَةُ والصلة، أن الصلة لا تحتاج إلى تقديم نفي، ولا إلى شيئين، إنما تأتي مؤكدة فقط، وتقع أولًا حشوًا عندنا خلافًا للفراء فإنه لا يجوز عنده أن تكون "لا" صلة إلا أن يتقدمها نفيٌ أو معنى نفي وأمَّا المُحقِّقَةُ فالنفي يكون في الشيئين وكذلك "لا" في قوله تعالى {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ} هي المحققة. وأمَّا قوله: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} [فـ"لا" هي الصلة، المعنى لا تستوي الحسنة والسيئة] (٣) لأن استوى من الأفعال التي تطلب اسمين فصاعدًا كاختلف واختصم. وقيل: دخلت "لا" في السّيئة لتحقيق أنه لا يتساوى ذا ذا، ولا ذاك ذا، وفي (حاشية


(١) سورة آل عمران: آية ١٥٩.
(٢) البيت للعجاج ديوانه (١/ ٢٠) من أرجوزة طويلة يمدح بها عمر بن عبيد الله بن معمر، أولها:
قد جبر الدين الإِله فجبر
وعور الرحمن من ولي العور
توجيه إعراب البيت وشرحه في: إثبات المحصل (ص ١٨٩)، المنخل (ص ١٨٤)، شرح المفصل لابن يعيش (٨/ ١٣٦)، شرحه للأندلسي (٣/ ٢٤٣، ٢٤٤). وينظر: معاني القرآن للفراء (١١/ ٨)، الخصائص (٢/ ٩٥)، خزانة الأدب (٢/ ٩٥)، (٤/ ٤٩٠).
كتب في هامش نسخة (ب) على هذا البيت: "في بئر حور، أي: هلاك ولا زائدة، وأنكر الفراء أن تكون "لا" في هذا البيت صفة فقال: هي جحدٍ محض كأنه قال: في بئر ما لا يجير عليه شيئًا، أي: لا يرد عليه شيئًا، والعرب تقول: طحت الطاحية فما أحارت شيئًا أي: لم يبق لها أي عمل" وينظر معاني القرآن للفراء (١/ ٨).
(٣) ساقط من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>