للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال جارُ الله -رحمه الله- "و"أمَّا" فيها معنى الشرط، قال سيبويه (١): إذا قلت أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ فكأنك قلتَ مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ منطلقٌ، ألا تَرى أنَّ الفاء لازمة لها".

قال المُشَرِّحُ: "أما" معناها تفصيل المُجمل من الخبر كقولك: أنا أحبُّ وأبغِضُ، فأمَّا من أحبُّ فالمُؤمن، وأمَّا من أُبغض فالكافر، وكقولك: زيدٌ وبكرٌ خارجان فيقول المخاطب: أما زيدٌ فخارجٌ، وأمَّا بكر فمُقيم، فإذا قلتَ: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ فأصلُ الكلامِ مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ منطلقٌ، ثم أُقيم مقامه هذه الجُملة فحصل أمَّا فزيدٌ فمنطلقٌ (٢) فكرهوا أن تكون الفاء التي من شأنها أن تكون متبعة شيئًا فشيئًا في أول الكلام فأخروها إلى الخبر فقالوا أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ. قالَ الإِمامُ عبدُ القاهرِ الجُرْجَانِيُّ: وتقول: إن ذلك لإِصلاح اللفظ، ولكراهية أن يكون على خلاف الأصول وعندي أن معناه: زيدٌ مهما يكن من شيءٍ فهو منطلق، والأصل: أمَّا زيدٌ فمهما يكن من شيءٍ فهو منطلق ثم حَذَفَ الشرط وترك "أما" دليلًا عليه بالفاء في موضعها. أبو سَعِيْدٍ السِّيرافي في قول سيبويه: أمَّا "أما" ففيها معنى الجزاء لأن "أما" في الأصل نائبةٌ عن شرطِ الجزاء، والفاء وما بعدها جوابٌ لها كما وصفنا، والشَّرط الذي نابت عنه يجوز فيه وجهان:

أن يحذف جميعه، وأن يحذف بعضُه، أمَّا ما يُحذف عنه جميعه فلا بدَّ من تقديمِ اسمٍ مما بعد الفاء أو ظرف أو شرط فيكون تقديم ذلك عوضًا مما حُذِفَ والمراد أن يكون ذلك المُقدم بعد الفاء، وذلك قولك: أما زيدًا فضربت، وأما بكر فخارج، وأما يوم الجمعة فلا تخرج فيه، وأما إن جاءك زيد فأكرمه والتَّقدير: مهما يكن من شيء فضربت زيدًا، وفبكر خارجٌ، ومهما يكن من شيءٍ فيوم الجمعة لا تَخرج، ومهما يكن من شيءٍ إن جاءك زيد


(١) الكتاب: ٢/ ٣١٢.
(٢) ساقط من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>