للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُفضِي إلى مَزِيَّةِ تَغْيِيرٍ. أمَّا قولُه: أرجلٌ في الدارِ أم امرأةٌ، فإنَّما جازَ وقوعُه في مقامِ الابتداءِ وإن كانَ نكرةً مَحْضَةً، لأنَّه كما ذَكرناه معرفةٌ من حيثُ المعنى، وأمَّا قولهم (١) ما أحدٌ خيرٌ منكَ فهو وإن كانَ مبتدأ من حيثُ الصُّورةُ فهو فاعلٌ من حيثُ المعنى، وهذا لأنَّ حروفَ النَّفي رُبَّمَا تُنَزَّلُ تَنْزِيلَ الفِعلِ كما في بيتِ السِّقطِ (٢):

وما الفُصَحَاءُ الصّيدُ والبدوُ دارُها … بأفصحَ قولًا من إِمَائِكُمُ الوُكْعِ

ألا تَرى أنَّ العامِلَ في الجارِّ هو (ما). وأمَّا قولهم: (شرّ أهرّ ذا نابٍ) فهو وإن كانَ مبتدأ من حيث الظاهِرِ فهو فاعلٌ من حيثُ المعنى، إذا المعنى: ما أهرَّ ذا نابٍ إلَّا شَرُّ. وهذا كقولِهِم: أمرٌ أَقْعَدَه عن الخُرُوجِ. ومهمٌّ أشخَصَهُ، والمعنى: ما أَقعده عن الخروج، إلَّا أمرٌ، وما أشَخَصُه عن مكانِهِ إلَّا مُهِمٌّ، ولئن سَلَّمنا أنَّه مبتدأ من حيثُ الظَّاهِرُ والمعنى لكن لِمَ قُلْتَ إِنَّه غيرُ موصوفٍ، هذا لأنَّ التَّنوينَ فيه بمنزلةِ الصِّفَةِ، لأنَّه للتَّعظِيمِ والتَّفخيمِ (٣) كما في قوله: أنشده الأزهرِيُّ (٤) في التَّهذيب:


(١) من هنا … إلى قوله بعد البيت: فالعامل في الجار هو (ما) نقله الأندلسي في شرحه ١/ ١٢٣ وعقب عليه بقوله: قلت: فهذه مزلة من هذا الفاضل، فإنَّ (ما) ها هنا حجازية، والباء تزاد في خبرها تشبيهًا لها بليس، وإذا كانت الباء زائدة لم يتعلق بشيء أصلًا، وهذا معنى قول النحويين أنّ الباء زائدة … أي لم تدخل لأنّ تربط شيئًا بشيء، بل للتأكيد فقط … وليس في العربية ارتباط بين حرفين أصلًا فهذا سهو منه.
(٢) شروح سقط الزند: ٣/ ١٣٥٢.
(٣) عقّب الأندلسي علي ذلك في شرحه: ١/ ١٢٣، ١٢٤، بقوله: قلت: هذا أيضًا من ابتداعاته الهذيانية، وذلك أنّ المألوف أنّ التنوين قد يكون للتنكير في نحو صَهٍ ومَهٍ وأمَّا أن يكون للتخصيص بحيث ينزل منزلة الوصف فكلّا، وقوله أيضًا: إنَّ فيه تعظيمًا وتفخيمًا من النّمط الأول، وليس التنوين لشيء مما ذكره في لغة العرب أصلا، ولعله في لغة قومه وأما في لغة العرب وعبارات النحويين فلا … ثم قال: إنما غرضي أن أبين أنّ ذوق هذا الرجل على خلاف ذوق أهل الصناعة.
(٤) الأزهري: (٢٨٢ - ٣٧٠ هـ) أبو منصور محمد بن أحمد بن طلحة، عالم اللُّغة مولده ووفاته بهرات. شافعي المذهب. ألف تهذيب اللُّغة معجم كبير مطبوع وله أيضًا شرح ألفاظ الشافعي =

<<  <  ج: ص:  >  >>