للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمتروكةٌ بحالِها إذا كانت منصوبةً منزلةً منزلةَ الفعلِ.

قالَ المشرّحُ: انظر إلى الشيخِ كيفَ عبَّر بهذه الكلمةِ الوجيزةِ عن معنىً شريفٍ بسيطٍ؟! وذلك أنَّ سلامٌ مبتدأ وهو نكرةٌ غيرُ موصوفةٍ عليكَ خبرهُ وهو ظرفٌ فكيفَ (١) جازَ ذلك مع أنه لا يجوزُ رجل في الدار والكلام فيه ينبني على شيء وهو أن هذا دعاء والأصلُ في الأدعيةِ أن تكونَ فعلًا كقولهم: سقَاه اللَّهُ ورعاهُ فإن لم يكن فعلًا فلا بُدَّ من أن يكونَ مصدرًا منصوبًا كقولك: سقيًا ورعيًا، وجدعًا له وخيبةً، وشيءُ آخرُ وهو أنَّ الاسمَ أدلُّ على الدَّوامِ والثباتِ من الفعلِ، وهذا لأنَّ الفعلَ يُدلُّ على الحدوثِ والتَّجَدُّدِ بخلافِ الاسمِ، وإن شئتَ فاعتَبر بما أنشده الإِمامُ عبدُ القاهرِ الجُرجاني (٢):

لا يألفُ الدِّرهمُ المضروبُ خِرقَتَنَا … لكنَ يَمُرُّ عليها وهو مُنطَلِقُ (٣)

ألا تَرى أنه لو قالَ: وهو يَنطلق (٤) لم يَكن له ذلك الحُسن والرَونق الذي له الآن. إذا ثَبَتَ هذا سَلكتُكَ (٥) إلى الغرضِ فقلتُ: قولهم: سلامٌ عليكَ من حيثُ أنّه مصدرٌ قُصد به الدّعاءُ وَجَبَ أن يكونَ منكرًا منصوبًا، ومن حيثُ أنه قُصِدَ به الثَّباتُ والدّوامُ، وَجَبَ أن يكونَ معرفةً مرفوعًا، لأنَّه حينئذٍ مبتدأُ والمبتدأُ مرفوعٌ، قلنا: إنَّه يكونُ نكرةً عملًا بجانبِ الدُّعاءِ، مرفوعًا بجانبِ الابتداءِ، توفيرًا على الشَّبهين حَظّهما. فهذا معنى كلامِ الشَّيخِ.

قالَ جارُ الله: وفي قولهم: أينَ زيدٌ؟ وكيفَ عمرٌو؟ ومتى القتالُ؟.

قال المشرّحُ: إنما وَجَبَ تقديمُ الخبرِ على المبتدأ في الأمثلةِ لأنّه استفهامٌ والاستفهامُ له صدرُ الكلامِ.


(١) في (ب) وكيف.
(٢) أنشده في دلائل الإِعجاز: ١٩٣. والرواية هناك: (صرتنا) بدل خرقتنا.
(٣) في (أ) ينطلق وهو تحريف.
(٤) في (أ) منطلق وهو تحريف أيضًا قال الجرجاني: هذا هو الحسن اللائق بالمعنى، ولو قلته بالفعل (لكن يمرّ عليها وهو ينطلق) لم يحسن.
(٥) في (ب) سل تك.

<<  <  ج: ص:  >  >>