للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا لَعَطّافِنَا ويا لَلرّياحِ

وقولهم: يا لَلماء، ويا لَلدَّواهي، أو مَندوبًا كقولك: يا زَيداه".

قالَ المشرّحُ: النوعُ الثاني من المنادى المنصوب المحلِّ، وهو المفردُ المعرفةُ، وقضيّةُ القياسِ أن يكونَ منصوبًا، لأنَّ حرفَ النّداءِ من النّواصِبِ، إلّا أنَّه (١) بُنِيَ لجريِهِ مَجرى المُضمرِ، وهذا لأنَّ الأسماءَ المضمَرةَ مما لا خِطَابَ فيها، إذ هي كلُّها غيبٌ، ولذلك تَقُولُ: رأيتُ رَجُلًا كانَ يُكَلِّمُ أباهَ، فتعامِلُهُ مُعاملة الغَائِب، إلّا أنَّه لما جُرَّ إليها الخِطابُ بواسطةِ حرفِ النّداءِ جَرَت مَجرى المُضمَرَ فبُنِيَت، ولذلك قُلنا: إنَّ لامَ الاستغاثةِ -وإن كانت هي الجارّةُ- تَنفَتِحُ، وهذا لأنَّ اللّامَ الجارةَ متى دَخَلَت على المُضمرِ (٢) انفَتَحت، كما في لَه ولَكَ. واعلم أنه لا يدخُل على هذه اللَّام شَيءٌ من حُروفِ النِّداءِ غيرَ (يا)، لأنَّهم خصّوا بِهَا الاستغاثَةَ مع اللامِ، دِلالَةً عليها، لأنَّ (يا) هي الأَصلُ في البابِ.

عطَّافُ: اسمُ رَجُلٍ، وكذلك رِيَاح، بكسرِ الراءِ وبالياءِ المُثَنَّاةِ، والحاء المُهمَلَةِ. اللَّامُ في (يا لَلماءِ) للتَّعَجُّبِ، وهذا دُعاءٌ (٣) للماءِ كأنه قالَ: يا ماء تَعالَ فهذا أوانُك. نَدَب المَيِّتَ: إذا بَكَاهُ، وأصلُ النُّدبَةِ الدُّعاءُ، وهذا لأنَّ الباكي يَدعُو للميّتِ، ومنه المَندوبُ في الشَّرعِ، لأنَّه مَدعوٌ إليه المَندوب، والمَندوبُ مما لا يَظهَرُ فيه الإِعراب لأنَّه لا يخلو من أن تَلحقَ آخرَه الألفُ،


= انظر توجيه إعرابه وشرحه في المنخّل: ٢٨، وزين العرب: ١٢، وشرح الأندلسي: ١/ ١٨٧، وشرح ابن يعيش: ١/ ١٢٨، ١٣١. وهو من شواهد كتاب سيبويه: ١/ ٣١٩، وانظر شرح السّيرافي: ٣/ ٩١، والنكت للأعلم: ٢٠٤، والمقتضب: ٤/ ٢٥٧، والعيني: ٤/ ٢٦٨، والهمع: ١/ ١٨٠، وخزانة الأدب: ١/ ٢٩٦.
(١) انظر شرح الأندلسي: ١/ ١٨٥.
(٢) في (ب) الضمير.
(٣) نقل العلوي هذه الفقرة في شرحه: ١/ ٩٩، ١٠٠ ثم عقب عليها بقوله: وهذا من تعمقاته الباردة، وتحكماته الجامدة، فإنّ غرضه دعاء قومه ليدفعوا عنه الشّر والدّاهية، وليس غرضه حصول الماء والداهية، فهذا عكس المعنى، وقلب لفائدته، فبطل ما قاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>