للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا بَلَّغتِنِي وَحَمَلتِ رَحلِي … عُرابَةَ فاشرَقي بِدَمِ الوَتِينِ

والذي يَدُلُّ على أنَّه ليسَ بهجاءٍ قولُه في هذه النُّونيّة (١):

إذا ما رايةٌ رُفعتِ لِمَجدٍ … تلقَّاها عُرابةُ باليَمِينِ

أَفتَرَى الشَّماخَ يمدحُ رجلًا ويهجوه في مقطوعةٍ (٢)؟!

قالَ جارُ اللَّهِ: "ومنه زيدًا مررتُ به، وعمرًا لقيتُ أخاه، وبِشرًا ضربتُ غُلامَه بإضمارِ جعلتُ على طَريقي، ولابَستُ، وأَهنتُ، قال سيبويه (٣): والنَّصبُ عَرَبِيٌّ كَثيرٌ، والرّفعُ أجودُ".

قالَ المشرّحُ: يريدُ إذا قُلتَ: زيدًا مررتُ به، فمعناه: جعلتُ (٤) زيدًا على طريقي مررتُ به، وإذا قُلتَ: عمرًا لقيتُ أخاه فمعناهُ، لابَستُ عَمرًا لقيتُ أَخاه، وإذا قُلتَ: بِشرًا ضربتُ غُلامَه فمعناه أَهنتُ بِشرًا ضَرَبتُ غُلامَه. والحَقيقةُ ما ذكرتُ في ذلك الفصلِ، وإنما كانَ الرَّفعُ فيه أجودَ الكلامينِ (٥) لأنَّه آكدُ الكلامين على ما ذَكرتُهُ.

قالَ جارُ اللَّه: "ثمَّ إنّك تَرى النَّصبَ مختارًا ولازِمًا، فالمختارُ في موضِعَين، أحدُهما: أن تَعطِفَ هذه الجملةَ على جملةٍ فعليَّةٍ كقولِكَ: لقيتُ القومَ حتى عبدَ اللَّهِ لَقيتُه، ورأيتُ عبدَ الله وزيدًا مررتُ به وفي التَّنزيلِ (٦): {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.

قالَ المشرّحُ: إنّما يختارُ (٧) النصبُ ها هنا، وهو أحدُ المَوضِعَين تَوَخِّيًا


(١) الديوان: ٣٣٦ في نفس القصيدة.
(٢) نقل الزملكاني في شرحه: ٢/ ٥٥ ما قاله الخوارزمي هنا دون إشارة إليه.
(٣) الكتاب: ١/ ٤٢، وشرحه للسّيرافي: ١/ ١٩١.
(٤) في (ب).
(٥) في (ب).
(٦) سورة الدّهر: آية: ٣١.
(٧) نقل الأندلسي شرح هذه الفقرة في شرحه: ١/ ٢٢٢ وردّ عليه بقوله قلت: تقدم أن هذا الرجل =

<<  <  ج: ص:  >  >>