للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمُشاكلةِ، وهذا لأنَّ طَرَفَي العَطفِ بمنزلةِ طَرَفَي التَّثنِيَةِ، ومن ثَمَّ يُصارُ إلى العَطفِ إذا تَعَذّرتِ التَّثنِيَةُ في ضرورةِ الشِّعرِ قال (١):

كأنَّ بينَ فَكِّها والفَكِّ … فارةُ مِسكٍ ذُبِحَت في سَكّ

وطَرَفا (٢) التَّثنية يتشاكلان صُورةً ومعنى، فكذلك (٣) هذا. قوله تعالى: {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} تقديرُه (٤)، ويعذِّبُ الظّالمين.

قالَ جارُ اللَّهِ: "ومنه (٥) {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ}.

قالَ المشرّحُ: قوله: "فَريقًا حقَّ عليهم الضَّلالةِ"، يَحتملُ أمرين (٦)،


= يختار كلام الكوفيين في هذا الفصل؛ فينصب قولك: زيدًا ضربته بالفعل المذكور ويجعل ضميره بدلًا منه … ثم ذكر ما سبق أن ذكره الخوارزمي في باب الفاعل، وقال: قلت: أمّا الأول فغلط وذلك أنه تقرر في اصطلاح النحويين -وهو سلّم بذلك- أن العامل في البدل هو العامل في المبدل وأن إعرابه كإعرابه، وهذا متعذر هنا في كثير من الصور فإن قولك: زيدًا مررت به، لا يجوز أن يكون الضمير هنا بدل من زيد، لوجهين، أحدهما: أن الضمير مخفوض، وزيدًا منصوب. الثاني: أنّ العامل في الضمير متعد بحرف الجر، فلا يجوز أن يكون هو الناصب لزيد، ولذلك يجوز قصدًا من غير غلط زيدًا لقيت رجلًا يحبه وها هنا لا يتصور البدل، وكذلك زيدًا لست مثله، العامل في زيد مخالف للعامل في ضميره الذي زعم أنه بدل، وإذا اختلف العامل بطل البدل بالإِجماع، وإذا تعذر البدل في هذه الصورة وفي غيرها مما لا يحصى كثرة، فكيف تزعم أنّ جميع ما جاء في هذا يحمل على البدل؟!
وما ذكره في امتناع كم رجلًا لقيته أن يعمل فيه ما قبله فصحيح لكن ما قال نحوي قط أن العامل هنا مقدر قبل، بل هو مقدر بعد. فالتقدير عند الجميع كم رجلًا رأيت رأيته، … وإذا صح التقدير بعد لم يلزم منه أمر ممتنع، ولا مخالفة قاعدة بل وفينا بمقتضى الاستفهام وطردنا الباب.
وأمّا قوله: إنّ العدول عن النصب لا لوجب فسوء ظن بالعرب العقلاء أن يفعلوا أشياء لا لحكمة، وقد بيّنا الموجب قبل، وكونه مفعولًا في الحقيقة ولأنه نفس الضمير معنى، والضمير منصوب فكان هو أيضًا كذلك. فأين عزب عقل هذا الرّجل؟!
(١) تقدم تخريجه.
(٢) في (أ) طرفان.
(٣) في (أ) وكذلك.
(٤) في (ب) يريد.
(٥) سورة الأعراف: آية: ٣٠.
(٦) انظر شرح الأندلسي: ١/ ٢٢٢ وعقب عليه بقوله: أقول: الثاني هو الصحيح …

<<  <  ج: ص:  >  >>