قالَ جارُ اللهِ:"فصلٌ، واعلَم أنّ هذه المميزات عن آخِرِها أشياءٌ مُزالةٌ عن أصلها ألا تَراها إذا رَجَعَت إلى المعنى مُتَّصِفَةً بما هي مُنْتَصِبَةٌ عنه، ومتأدِّيةً، على أنَّ الأصلَ: عِندي زَيتٌ رطلٌ، وسَمنٌ منوانٌ، ودَرَاهِمٌ عِشرون، وعَسَلٌ مِلءُ الإِناءِ، وزبدٌ مثلُ التَّمرِ، وسَحابٌ مَوضعُ كَفٍّ، وكذلك الأصلُ، وصفُ النَّفسِ بالطيبِ، والعَرَقِ بالتَّصبُّبِ، والشَّيبِ بالاشتعالِ، وأن يُقال: طابت نَفْسُه، وتَصَبَّبَ عَرقُه، واشتَعَلَ شيبُ رأْسِي، لأنَّ الفعلَ في الحقيقةِ وصفٌ في الفاعلِ".
قال المشرّح: ومتأَدّيةً: منصوبةٌ عَطفًا على قوله متّصفَةً، فإن سألتَ: فهل يجوزُ على سِياقِ هذا الكَلَام امتلأَ ماءُ الإِناءِ؟ أجبتُ: ما هو بِبَعيدٍ، والذي يُؤنَس به في هذا الباب بيتُ الأُستاذ أبي إسماعيل الكاتب:
* تَناهَين غيرَ الحُسن مَلأى وسُوقُها *
فإن سألتَ: المرادُ بالسُّوقِ ها هنا الأوعيةُ، لا ما فِيها، ويجبُ أن يكونَ كذلك، حتَّى لا يلزمَ من ذلك المَجَازُ في ملأ؟ أجبتُ: الحالُ لا تخلو من أن يُراد بالسُّوقِ ها هنا الأوعِيةُ، أو ما فيها، فلَئِن أُرِيدَ بها ما فيها فذاكَ، وإن أُريدَ بها الأوعيةُ، فنحن لا نَعني بجوازِ قولنا:"امتلأَ ماءُ الإِناءِ" سِوَى أن نُسنِدَ الامتلاءَ في الظَّاهِرِ إلى الماءِ ويراد إسناده إلى الإِناءِ.
قالَ جارُ اللهِ:"السَّبَبُ في هذه الإِزالةِ قصدُهُم إلى ضَربٍ من المُبالغةِ والتأكيدِ".
قالَ المشرّحُ: إنما يَتَّضِحُ لك الفرقُ بينَ الموضوعين في نحو قولِكَ: اشتعلَ نارًا البيتُ، واشتعلَ البيتُ نارًا.
= النحويين: المسألة رقم ٦٥، واليمني في ائتلاف النصرة في اختلاف نحاة الكوفة والبصرة. المسألة رقم (١٥) في قسم الأسماء.