للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تابعٌ لم يَتَّبع متبُوعَه … في لفظِهِ ومَحَلِّهِ يا ذا الثَّبَت

ماذَا بِعِلمٍ غَيرِ عِلمٍ نافِعٍ … بالغتُ في إتقانِهِ حتَّى ثَبَتْ

ومن العَجَبِ العَجِيبِ في شأنِ هذا اللُّغزِ أنَّ الكَلامَ فيه كما هو لِتَعْرِيفِ هذه المَسألةِ فقد جَرى بين أثناءِ النَّظمِ ما يَدُلُّ على صُورةِ المسألةِ أيضًا، وصوّره بقوله: "ماذا بِعِلْمٍ غَير علمٍ نافعٍ". فلمَّا عَرَضَهُ على جارِ اللَّهِ قال: لقَد جِئتَ شيئًا إدًّا. والنَّصبُ على الاستثناءِ فيها كلِّها جائزٌ إلَّا في الفصلِ الأخيرِ. أما في قولِكَ: ما جاءني من أحدٍ إلَّا عَبد اللَّه فظاهرٌ كما لو قلت: ما جاءني أحدٌ إلَّا عبدَ اللَّه، وأما في قولك: ما رأيتُ من أَحَدٍ إلَّا عَبْدَ اللَّه فكذلك ظاهر كما لو قلت: ما رأيتُ أحدًا إلَّا زيدًا ولكنَّ النَّصبَ فيه كما يَحْتَمِلُ البَدَل، يَحْتَمِلُ الاستثناء، وأمَّا قولُك: لا أحدَ فيها إلَّا عَمرًا، فقد قالَ أبو سَعِيدٍ السِّيرَافِي (١): ويجوزُ لا أحدَ فيها إلَّا زيدًا بالنَّصبِ على الاستثناءِ، وتقديرُ الكلامِ قبلَ إلَّا على التَّمامِ، [ولا يصلحُ ذلك في لا إله إلَّا اللَّه، لأنَّ الكلامَ قبلَ إلَّا لا يَحْسُنُ تقديره على التمامِ] (٢)، وقد أجازَ فيه الزَّجَّاجُ نَصبَهُ على الاستثناءِ وتقديره: لا إله للحَقِّ وهو ضعيفٌ. وأمَّا قولُك: ليس زيدٌ بشيءٍ إلَّا شيئًا لا يُعْبَأُ به فظاهرٌ، وهو بمنزلةِ أن تقولَ: ما مرَّ زيدٌ بأحدٍ إلَّا عمرًا، فإنّ عمرًا يجوزُ أن يكونَ منصوبًا على الاستثناءِ، فكذلك هَذا.

قالَ جارُ اللَّهِ: فصلٌ، وإن قدّمتَ المُستثنَى على صِفَةِ المُستَثْنَى منه فَفِيه طريقان: أحدُهما: -وهو اختيارُ سيبويهِ- أن لا تَكترِثَ للصِّفَةِ، وتَحمِلَه على البَدَلِ.


= من حفظه سامحه اللَّه ورحمه والسيوطي أمّا أنه نقله عن شرح الخوارزمي (التخمير): مباشرة، وأمّا أنه نقله عن شرح الأندلسي، وهو كثير النقل عن هذا الأخير، وكلاهما قد صرّح أنه لأفضل القضاة. وأفضل القضاة هذا هو يعقوب بن شيرين الجندي الذي تقدّم ذكره في أول هذا الباب.
(١) شرح كتاب سيبويه: ١٢٢ حميديّة.
(٢) ساقط من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>