للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتُرِكتُ أنا وُجنِّبتُ، وكان ها هنا التَّامة (١)، و"قَضِيَّةً" نَصبٌ على الحالِ، فإن سألتَ ما معنى "أنْ" في قولِه: "أن إذا استَغْنَيْتُمُ" أجبتُ: معناه التَّأكيدُ وهي أنْ المُخَفَّفَةُ، وقد أَغنَانا "إذا" بَعدها (٢) عن السّينِ ونظيرُها قولُه تَعَالى (٣): {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}.

قَالَ جارُ اللهِ: "وأن تَعَرَّفَ فالحَملُ على المَحَلِّ لا غيرُ كَقولِكَ لا غُلامَ لَكَ ولا العَبَّاسُ".

قالَ المُشَرِّحُ: إنما يَرْتَفِعُ العَبَّاسُ لأنَّ "لا" لا عَمَلَ لها في المَعْرِفَةِ، واعلَم أن "لا" لا تَعْمَلُ في ثَلاثَةِ أَشياءٍ: في اسمٍ قد عَمِلَ فيه فِعلٌ، وفي اسمٍ مَنْفِيٍّ بلا بَعده اسمٌ مَنْفيّ، وهما جَوابُ مُسْتفهِمٍ قد ثَبَتَ عندَه أَحَدُ الشَّيئَينِ وفي اسمٍ مَعرفةٍ، فالأولُ: لا مَرحبًا ولا أَهلًا، ولا رَعيًا ولا سَقيًا، ولا كَرامةً ولا مَسَرَّةً، لأنَّ العامِلَ فيها أَفعالٌ مُضمَرَةٌ.

والثاني: لا غُلامٌ عِندي ولا جَارِيةٌ، وهذا جَوابٌ لمن قال لَكَ: أغُلامٌ عندَك أم جَاريةٌ؟، ولو قُلتَ: لا غلامَ عِندي ولا جَاريةَ فهو (٤) جوابٌ لمن قالَ لك هل غُلامٌ (٥) عندَك أو جاريةٌ؟ وعليه قرئ: (٦) {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ}.

الثالث: قولك لا زيدٌ في الدارِ ولا عمرٌو. وكذلك إذا عطفتَ معرفةً منفيّةً على نَكِرَةٍ منفيَّةٍ قد عَمِلَ فيها، "لا"، لم تَعْمَل في المعرفةِ نَحْوَ لا


(١) في (أ) تامة.
(٢) في (أ) بعد.
(٣) سورة النساء: آية: ١٤٠.
(٤) في (ب) وهذا.
(٥) في (ب) هل من غلام.
(٦) سورة البقرة: آية: ٢٥٤، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو. انظر السّبعة في القراءات لابن مجاهد: ١٨٧، وزاد المسير: ٢/ ٣٠٢، والكشف: ١/ ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>