فيه الغَائِبَ من المُخاطَبِ؟ أَجبتُ: أمَّا الأوَّل فلأنَّ المُضافَ لمَّا كانَ في الحَقيقَةِ تَأكيدًا للمُضافِ إليه، وهو ضَميرُ حِكايَةٍ كالمُبَدلِ منه جازَ إبدالُهُ منه، أمَّا الثَّاني فذاكَ من أَجلِ أنَّ الخِطابَ لَيس لِقومٍ بأعيانِهِم، فنزِّلُوا مَنزِلَةَ الغُيَّبِ لأنَّ المعنى لو كانَ للناسِ فيهم أُسوةٌ حَسَنَةٌ، أَو لأنَّ المَعنى: لقد كان لكم فيهم أُسوةٌ حَسَنَةٌ لراجيكم اللهَ.
قالَ جارُ اللهِ: والمُضمَرُ من المُظهَرِ نحو قولِكَ: رأيتُ زَيدًا إيَّاهُ، ومَرَرتُ بِزَيدٍ بِهِ، والمُضمَرُ من المُضمَرِ كقولِكَ: رأيتُكَ إيَّاك، ومررتُ بِكَ بِكَ.
قالَ المُشَرِّحُ: أَبدلَ فيه المضمرَ من المظهَرِ، وهو زَيدٌ، وكذلك الضَّميرُ المُنفَصِلُ وهو إيَّاك، من المتَّصل وهو الكافُ في رأيتُكَ إيَّاكَ (١)، فإن سَألتَ: لم لا يَجوزُ أن يكونَ الضَّميرُ الثَّاني في رَأيتُك إيّاكَ تأكيدًا؟ أَجَبتُ: لأنَّ الضَّميرَ متى تَأكّدَ بِضَميرٍ فلا يَخلو من أن يكونَ بينهما مُوافقةٌ إعرابيّةٌ، أو لا يكونُ، فلئن لم يَكُن بينَهما موافَقَةٌ إعرابِيَّةٌ فهو تَأكِيدٌ، ولئن كانت فَهو بَدَلٌ على ما قَرّرتُهُ قَبلُ.