للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ جارُ اللَّهِ: فَصلٌ؛ والخَبَرِيَّةُ مضافةٌ إلى مَمَيِّزها عاملةٌ فيه عَمَلَ كلِّ مُضَافٍ في المُضَافِ إليه فإِذا وَقَعت بعدَها "من" وذلك كَثِيرٌ في استعمالهم منه قولُه تَعالى (١): {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ} {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ} (٢) كانَت منوِيَّةً في التَّقديرِ كقولِكَ كثيرٌ من القُرى والمَلائِكَةِ، وهي عندَ بَعضِهِم منويَّةٌ أبدًا، والمَجرورُ بَعدَها بإضمارِ "مِنْ".

قالَ المُشَرِّحُ: هذه المسألةُ كما ذَكرنا تَدُلُ على انتصابِ المُمَيَّزِ في "كم" الاستفهامِيَّة لتمامِ الاسمِ بالتَّنوينِ.

قالَ جارُ اللَّهِ: "فصلٌ؛ وفي معنى "كَمْ" الخبريَّة "كأيّن" وهي مركَّبَةٌ من كاف التَّشبيه وأي، والأكثرُ أن تُستَعمَل مع "من" قال اللَّه عزَّ قائِلًا (٣): {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} (٤) وفيها خَمسُ لغاتٍ كأيّن وكاءِ بوزن كاعِ، وكِيْنَ بِوزَنِ كِيْعَ، وكأيّ بوَزنِ كغى، وكإِ بِوزنِ كَعِ.

قالَ المُشَرّحُ: دخولُ "من" في كأيِّ أحسنُ من سُقُوطِها، لتَدُلَّ على أنَّ ذكرَ الاسم بَعدَها على طَريقِ التَّفسيرِ، وتَقُولُ: وكأيّ رَجُلًا لَقِيتُ (٥)، بنَصبِ ما بعدَ كأيٍّ وأنتَ في حالِ الخَبَرِ، قال أبو سَعيدٍ السّيرافي (٦): وكأيّ مَعناهُ رُبَّ عندَ سيبويهِ، وعندَ الفراءِ معناها: "كَمْ" وقد أكثَرَ استعمال النَّحويين من البَصرِيّين والكُوفيّين تَفسيرَها بكَمْ والّذي قالَ سيبويه أصحُّ، لأنَّ الكافَ حرفُ دخولُه على ما بعدهُ كدخولِ ربَّ وكم في نِفْسها اسمٌ وأنتَ تقولُ: كم لَكَ، ولا تَقول: كأيّ لَكَ، كما لا تَقُولُ: ربَّ لَكَ - وهي مُرَّكبَةٌ من أيّ وكافِ


(١) سورة الأعراف: آية: ٤.
(٢) سورة النجم: آية: ٢٦.
(٣) في (أ) عزّ وجل، والآية من سورة الأعراف: آية: ٤.
(٤) ساقط من (أ).
(٥) في (أ).
(٦) شرح الكتاب: ٣/ ٢٤ نقلًا حرفيًا أمينًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>