للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

على المشتغلين بعلم الحديث، حتى انبهر بذلك العدوُّ قبل الحبيب، وشهدوا وأَذْعَنوا بمهارة هؤلاء العلماء، فهذا المستشرق اليهودي الأصل ديفيد صمويل مرجليوث (١) يقول: «والمسلمون مُحِقُّون في الفَخْر بعلم حَدِيثهم» (٢).

وكذلك قال -صِنوه في عَدَائِه وبُغضه للإسلام- المُستشرق النمساوي الأصل سبرنجر: «إن الدُّنيا لم تَر ولَن تَرى أُمَّة مِثل المُسلمين، فقد دُرِس بفضل علم الرجال الذي أَوْجَدُوه حَياةُ نِصف مليون رَجُل».

وكان مِنْ فُنون علم الحديث الدقيقة التي لا يُتْقِنها إلا الأَفْذَاذ من الحُفَّاظ: «عِلم المُؤتلف والمختلف»، وسيأتينا بَحث مُستَقِل في التعريف به.

وكان مِنْ أَهَمِّ العلماء الذين صَنَّفُوا في هذا الفن -عَلى الإطلاق- الأئمة: أبو الحسن علي بن عُمَر الدَّارقُطني، وأبو محمد عبد الغني بن سعيد المِصري، وأبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخَطِيب البغدادي، في تصانيف مَشْهُورة مُعروفة، سيأتينا بحث في هذه المقدمة للحديث عنها وعن مُصَنِّفيها.

لكن لما كانت هذه الأمة كالبنيان -كما أخبر نبيُّنا يَشُدُّ بعضُها بعضًا، وكانت أُمَّةَ النُّصْح، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنْكَر، حتى قال نَبيُّنا : «الدين النصيحة» = لم يكن يَسَع العلماء السكوت عن الهَنات والأخطاء التي لا يَنْفَك عنها عالم أو كتاب، فكانت سُنَّةُ الاستدراكِ والتَّصْحِيح والنُّصح للأمة قَائِمة إلى يوم الناس هذا؛ -إذ لا معصوم إلا رسول الله ، ولا سالم عن الرَّيْب والوَهَم إلا كتاب ربنا .

وكان من أقدار الله تعالى أن يَسْبِق الإمامان الدارقطني والأَزْدِي الإمامَ الخطيبَ البغدادي في التصنيف في هذا الفن، ولَمَّا رأى الإمامُ الخطيبُ ما وقع لهما مِنْ وَهَم في كتابيهما، صَنَّف كتابه «المُؤْتَنِف تَكْمِلةَ المؤتلف والمختلف»، ليُكْمِل النَّقصَ الذي اعترى مُصَنَّفَيهما.


(١) والذي لا يخفى عداؤه وحقده على الإسلام. هلك سنة ١٩٤٠ م.
(٢) «محاضرات عن المؤرخين» ص ٢٠. لمرجليوث. ترجمة عبد الله الشهري.

<<  <   >  >>