للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به لتقف عليه إن شاء الله. فمن ذلك إجماعهم على إظهار النون الساكنة والتنوين عند حروف الحلق، وسواء كانت النون في كلمة أو كلمتين .. » (١).

ومن كلامه على أوجه تصريف لفظة الصلاة وأمثالها في كتاب تفسيره قوله:

«كتبت الصلاة في المصاحف بالواو لتدل الواو على أصلها، لأن أصل الألف الواو، وأصلها صلوة، فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت في اللفظ ألفا، دليله قولهم في الجمع: صلوات، وقد ذكرنا أن الجمع يرد الأشياء إلى أصولها، ولذلك قلنا إن أصل ماء موه، وإن الألف بدل من الواو والهمزة بدل من الهاء، ودل على ذلك قولهم في الجمع أمواه فردّ إلى أصله. وقيل: إنما كتبت الصلاة بالواو لتدل على أنه مشتق من الصلوين. وقيل: إنما كتبت بالواو لأن بعض العرب يفخم اللام والألف حتى تظهر الألف، كأن لفظها يشبوبه شيء من الواو، والقول الآخر به يعلل ما كتبوه من: الزكوة والحيوة وشبهه بالواو فاعلمه» (٢).

وإذا مضينا نرصد أبرز خصائص أسلوبه عدّدنا منها: الدقة، ولا تتوافر الدقة في الأسلوب إلا لمن استوعب مادة بحثه وموضوعه، وهي ميزة بيّنة في كل ما كتبه مكي مما اطلعت عليه.

والاستقصاء والمناقشة، وهذه ميزة تلزم عن الدقة، فلسنا نقف على بحثه المسألة وإن صغرت إلا انتهينا فيها إلى كل ما يمكن أن نجده متفرقا عند غيره من الباحثين. وهو يفضل غيره مثل أبي علي الفارسي في هذا لما يستوفي المسألة حق الاستيفاء دون أن يخرجه ذلك إلى جوانب أخرى تبعد بالقارئ عن أصل المسألة التي كان بدأها، وما أكثر ما اعتذر مكي نفسه من أن يكون أطال في استقصائه ومناقشته.

والبيان والوضوح، وهي ميزة تلزم عن الاستقصاء لما يعرض له مكي من هذه المسائل. فلا تكاد أصول المسألة التي يتناولها ماثلة تتسع مع الاستقصاء والمناقشة بعبارة تبين عن نفسها وتوضح مكنونها، لا تغرب، ولا تنحرف عن وجهها الذي تمضي إليه دون تعثّر، وإن طالت المسألة أو هو أطال بحثها وتقليب وجوهها،


(١) التبصرة ٣٧ /ب.
(٢) الهداية إلى بلوغ النهاية ٧ /ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>