إن كتاب «الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها» من أواخر كتب مكي تأليفا إذ جاء في قوله عنه: «ثم تطاولت الأيام وترادفت الأشغال عن تأليفه وتبيينه ونظمه إلى سنة أربع وعشرين وأربع مائة فرأيت أن العمر قد تناهى والزوال من الدنيا قد تدانى فقويت النية في تأليفه وإتمامه خوف فجأة الموت وحدوث الفوت وطمعا أن ينتفع به أهل العلم من أهل القرآن وأهل العلم من طلبة القراءات»(١). وإذ كان الأمر كذلك فإن منهج مكي فيه وفي التأليف بعامة لا بدّ من أن يكون أوضح من سواه من كتبه التي تقدّم زمن تأليفها. فهل هذا متأكّد منه مقطوع به، وما الحجة عليه؟
[(آ) الخطة التاليفية]
ولهذا فإنني رأيت اختيار هذا العنوان أبحث تحته هذه الظاهرة في منهج مكي في تأليف الكشف بنحو خاص وفي تأليفه وخطته فيه بنحو عام. وإنني ههنا أعيد بعضا من كلام مكي نفسه على تأليفه وخطته فيه. ففي كتاب «التبصرة» يقول:
«جمعت في هذا الكتاب من أصول ما فرّق في الكتب، وقربت البعيد فهمه على الطالب، واعتمدت على حذف التطويل والإتيان بتمام المعاني مع الاختصار، ليكون تبصرة للطالب وتذكرة للعالم .. أخليت هذا الكتاب من كثرة العلل، وجعلته مجردا من الحجة، وربما يسرت إلى اليسار من ذلك لعلة توجبه وضرورة تدعو إليه، وقللت فيه الروايات الشاذة وأضربت عن التكرار ليقرب حفظه على من أراد ذلك ولولا ما فرق في الكتب مما نحن جامعوه، وما عدم فيه القول مما نحن قائلوه، وما صعب مأخذه على الطالب مما نحن مقربوه، وما طوّل فيه الكلام لغير كثير فائدة لما نحن موجزوه ومبينوه، لكان لنا عما قصدنا إليه شغل، وفيما قد ألفه من تقدمنا من السلف الصالح ﵃ كفاية ومقنع .. فيجب أن تعلم أيها الناظر في هذا الكتاب أني ربما قدمت المتأخر من الحروف المختلف فيها لتصنيفه إلى نظائره فيكون