وحجة من خفّف أنه حمله على معنى جازى النبيّ على بعض وعفا عن بعض تكرّما منه ﷺ، وجاء التفسير فيه أنّ النبي ﷺ أسرّ إلى بعض أزواجه سرّا فأفشته عليه، ولم تكتمه، فأطلع الله نبيّه على ذلك، فجازاها على بعض ما فعلت، وأعرض عن بعض، فلم يجازها عليه، ومجازاته لها هو طلاقها. وروي أنها حفصة بنت عمر أفشت عليه سرا أسره إليها، فأعلمه الله بذلك فجازاها على بعض فعلها بالطلاق الرجعي، ولا يحسن أن يحمل التخفيف على معنى «علم بعضه»، لأن الله جلّ ذكره قد أعلمنا أنه أطلعه عليه، وإذا أطلعه عليه لم يجز أن يجهل منه شيئا، فلا بدّ من حمل «عرف» مخفّفا على معنى «جازى»، وذلك مستعمل في «عرف». تقول لمن يسيء ولمن يحسن: أنا أعرف لأهل الإحسان، وأعرف لأهل الإساءة [أي] لا (١) أقصر في مجازاتهم ف «عرف» بمعنى «علم»، و «علم» بمعنى «جازى»، وعلى ذلك يتأوّل قوله تعالى: ﴿وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ﴾ «البقرة ١٩٧»، أي: يجازيكم به الله، ومنه قوله: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ﴾ «النساء ٦٣»، أي: يجازيهم على ما أظهروا من ذلك، ولم يرد أن يعلمنا أنه يعلمه، لأن ذلك مستقر في الأنفس، إنه تعالى يعلم السر والعلانية، وعلى ذلك وقعت «يرى» بمعنى «يجازي» في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ «الزلزلة ٧، ٨»، أي: يجازى عليه، لم يرد رؤية البصر فقط، لأن ذلك لا ضرر فيه على