للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«٥» وعلة من خفّف أنه حمله على ما قبله، لأنه قال تعالى: ﴿وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ «٨» فأخبرهم أنهم كاذبون في قولهم] (١): آمنا بالله وباليوم الآخر فقال: وما هم بمؤمنين، أي: ما هم بصادقين في قولهم، ثم قال:

﴿وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ﴾ أي بكذبهم في قولهم: آمنا بالله وباليوم الاخر، وأيضا فإن التخفيف محمول على ما بعده، لأنه قال تعالى ذكره بعد ذلك:

﴿وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا﴾ ﴿إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ﴾ «١٤» فقولهم لشياطينهم إنا معكم، دليل على كذبهم في قولهم للمؤمنين: آمنّا، فحسنت القراءة بالتخفيف، ليكون الكلام على نظام واحد، مطابق لما قبله، ولما بعده. وأيضا فلا بد أن يراد بالآية المنافقون أو الكافرون، أو هما جميعا. فإن أراد (٢) المنافقين فقد قال (٢) فيهم: ﴿وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ﴾ «المنافقون ١» وإن أراد المشركين فقد قال فيهم: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ﴾.

﴿مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ﴾ «المؤمنون ٩٠، ٩١» وإن أرادهما جميعا فقد أخبرنا عنهم في هذين الموضعين بالكذب، فالكذب أولى بالآية، وبالتخفيف قرأ الحسن [وأبو] (٣) عبد الرحمن، وقتادة، وطلحة، وابن أبي ليلى، والأعمش، وعيسى ابن عمر، وهو اختيار أبي عبيد وأبي طاهر وغيرهما.

«٦» وعلة من شدّده أنه (٤) حمله أيضا على ما قبله، وذلك أن الله جلّ ذكره قال عنهم: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً﴾، والمرض الشك، ومن شكّ في شيء فلم يتيقنه، ولا أقرّ بصحته، ومن لا يقرّ بالشيء، ولا آمن بصحته، فقد كذب به وجحده، فهم مكذبون لا كاذبون. وأيضا فإن التكذيب أعم من الكذب، وذلك أن كل من كذب صادقا فقد كذب في فعله، وليس كل من كذب


(١) انتهى استدراك ما سقط في الأصل من نسخة «ص».
(٢) فاعل «أراد» ههنا وكذلك «قال» في الجملة التالية ضمير مستتر يعود على لفظ الجلالة كما هو واضح في أول الفقرة.
(٣) تكملة لازمة من: ص.
(٤) ب: «أن» ورجحت ما في: ص.