للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التخفيف، لأن الله إذا كفّلها زكريا بأمر الله له، ولأن زكريا إذا كفلها فعن مشيئة الله وقدرته وإرادته. فعلى ذلك فالقراءتان متداخلتان (١). فأما مدّ «زكريا» وقصره فلغتان للعرب مشهورتان، وهمزة «زكريا» للتأنيث، وكذلك الألف للتأنيث، في قراءة من قصره. وقرأ أبو بكر بنصب «زكريا»، لأنه يقرأ «وكفّلها» بالتشديد، فتعدّى الفعل إلى مفعولين: إلى (٢) المضمر وإلى زكريا، فينصبه، ولا يلزم ذلك من قرأ بالتخفيف، لأن الفعل مع التخفيف إنما يتعدّى إلى مفعول واحد، وهو الضمير العائد على مريم، وزكريا مع التخفيف فاعل، ومع التشديد مفعول به (٣).

«٢٣» قوله: ﴿فَنادَتْهُ﴾ (٤) قرأه حمزة والكسائي بألف على التذكير، ويميلانها (٥)، لأن أصلها الياء، ولأنها رابعة. وقرأ الباقون بالتاء على لفظ التأنيث.

«٢٤» وحجة من قرأ بالألف أنه ذكّر على المعنى، وقد أجمعوا على التذكير في قوله: ﴿وَقالَ نِسْوَةٌ﴾ «يوسف ٣٠». وقد قيل: إنما نادى جبريل وحده، فالمعنى فناداه الملك، فلا وجه للتأنيث على هذا التفسير. وأيضا فقد اختار قوم الألف، لئلا يوافق التأنيث دعوى الكفار في الملائكة. وأيضا فإن الملائكة والملائك واحد (٦). وأيضا فقد فرّق بين المؤنث وفعله بالهاء، فقوي التذكير.

«٢٥» وحجة من قرأ بالتاء أنه أنّث لتأنيث الجماعة التي بعدها في قوله:

(الملائكة)، والجماعة ممّن يعقل في التكسير، يجري في التأنيث مجرى ما لا


(١) ص: «متداخلتان يقرب بعضها من بعض».
(٢) ص: «إلى الهاء والألف وهما المضمر».
(٣) زاد المسير ١/ ٣٧٨، وتفسير النسفي ١/ ١٥٥
(٤) سيأتي في سورة الأنعام، الفقرة «٩٠»، وسيأتي له نظائر في سورة الأنفال، الفقرة «١٢»، والنحل، الفقرة «١١»، والمعارج، الفقرة «٣».
(٥) ص: «وهما يميلانه».
(٦) القاموس المحيط «ملك».