للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لمس باليد ولمس بغير يد، نحو ما ذكرنا في السماء، وقرأ الباقون «(لامستم)» بألف، جعلوا الفعل من اثنين، وجعلوه من الجماع، فجرى على المفاعلة، لأن الجماع لا يكون إلا من اثنين، ويجوز أن يكون لامس من واحد ك «عاقبت اللص»، وتتفق القراءتان (١).

«٥٤» قوله: ﴿إِلاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ قرأه ابن عامر بالنصب على الاستثناء، وعلى الإتباع لمصاحف أهل الشام، فإنها في مصاحفهم بالألف، فأجرى النفي مجرى الإيجاب في الاستثناء، لأن الكلام فيهما يتمّ دون المستثنين، تقول: ما جاءني أحد، فيتمّ الكلام، وتقول: ما جاءني القوم، فيتمّ الكلام، ثم تستثني، إذا شئت فيهما، بعد تمام الكلام، فجرى النصب في النفي (٢) مجرى الإيجاب، لاتفاقهما في تمام الكلام قبل المستثنى. وقرأ الباقون بالرفع على البدل من الضمير المرفوع في «فعلوه»، وهو وجه الكلام، وعليه الأصول، لأن الثاني يغني عن الأول تقول: ما جاءني أحد إلا زيد، وتقول: ما جاءني إلا زيد، فدل على الأول، ويغني عنه من غير نقص في معناه، فاختير فيه الرفع مع ذكر «أحد»، إذ لا يجوز فيه غير الرفع، مع حذف «أحد»، وهو الاختيار لأن أكثر المصاحف لا ألف فيها في «قليل»، ولأن عليه بني الإعراب، وهو الأصل في الإعراب، وعليه جماعة القراء (٣).

«٥٥» قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ﴾ قرأه ابن كثير وحفص بالتاء، لتأنيث المودة، فحمل على ظاهر اللفظ فأنّث الفعل لتأنيث لفظ المودّة. وقرأ الباقون بالياء، إذ المودة والود بمعنى، فحمل على المعنى، ولأن تأنيث المودة غير حقيقي، ولأنه قد فرّق بين المؤنث وفعله بقوله: (بينكم وبينهم)، والتفريق يقوم مقام التأنيث. وقد مضى الكلام على هذا في قوله: ﴿وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ﴾ «البقرة ٤٨» والاختيار الياء، لأن الجماعة عليه، ولما قدّمنا من العلة في


(١) زاد المسير ٢/ ٩٢، وتفسير ابن كثير ١/ ٥٠٢، وتفسير النسفي ١/ ٢٢٧، والمختار في معاني قراءات أهل الأمصار ٢٥ /أ.
(٢) ص: «النفي في النصب».
(٣) الحجة في القراءات السبع ١٠٠. وزاد المسير ٢/ ١٢٥، والمقنع ١٠٣، وتفسير مشكل إعراب القرآن ٤٩ /أ.