القوافي على أحسن منوال. شعشع الحديث وروقه، وبكل قلادة من الكمال طوقه. وهو من الفحول، الذي لم يعتره نحول. ملك أزمة المحامد والأدب، فغدا حجة ألسنة اللسن من العرب.
وكيف لا وهو من هذا البيت، الذي لم يتحمل عسى وليت.
ونحن أناس لم تطأنا رذالة ... ولا انسحبت للذل فينا ذيول
له نظم تتهاداه الأيام، تهادي العلاج للأسقام. وهو قد انبت منه كل غريب، وأثبت منه بالرائع المهيب. وهو الواحد فيه، الذي يستحص منه كل نبيه.
أودعه الوالد وهو إذ ذاك ابن أشهر، فربيته بالأحضان. وأرضعته في تلك الطفولية من ثدي الذكاء والأذهان. حتى انتشى وهو في الأدب إمام، كما تراه ليس عليه كلام.
فمن شعره المنسجم، الرائق الكلم، والفائق النظم، قوله:
طرة النهر سرحتها النسائم ... وعلت منبر الغصون الحمائم
ساجلتها بلابل الدوح حتى ... شق ورد الربى جيوب الكمائم
ما ترى الشرق سل مرهف فجر ... قد تغرى براحة الأفق قائم
وسطا في الظلام حتى تبدى ... فلقاً فالدماء فيه علائم
فاختلس فرصة الزمان بروض ... ضحك الزهر من بكاء الغمائم
وتنبه لساعة الأنس وانهب ... صفوة العيش واطرح كل لائم
واجتل كأس مبسم من غزال ... بابلي اللحاظ حلو ملائم
مايس الطرف كلما راح يخلو ... وده الصب فوق جفنيه دائم
ذي دلال تمهد الحسن حتى ... قلدته زهر النجوم التمائم