وفي تعب من يحسد الشمس نورها ... ويجهد أن يأتي لها بضريب
فما كل شجرة تحلو لذائقها، ولا كل دار ترحب بطارقها.
إذا أسفر اللثام عن وجوه بنات الأفكار، أوضح طرق الهداية من إشراق تلك الأنوار. فهناك تعلم أن أم الدهر لم تلد بمثله أبدا، وإن ألفاظه على الحقيقة جواهر وعقدا.
عاشرته بعضا من الأيام، بمدينة بغداد دار السلام. وقد امطته (١) المعالي صهواتها، وأركبته على متونها، وحملته على عاتق المجد وجعلته إنسان عيونها. فعبق مسك فضله في تلك النواحي والأقطار وسلكته رغما على انف الدهر في سلك المصطفين الأخيار. ومنحته موانح العز وخصته بمكارم السكينة، واتخذت ذلك الجناب كاتب الإنشاء لديوان تلك المدينة. وأرخت على مجالسه من أصناف المعارف ستورا، وجعلته لمدخر المكارم حصنا ولمكنون النوال سورا. فكان سعيه في كسب تلك المواهب السنية محموداً مشكورا، وتحصيله لأنواع تلك المحامد البهية مقبولا ومبرورا.
خزن- بعد علمه بان الدهر الخئون دول. وإن المأثور فيه والمحصل منه المكارم لا الخيل والخول- فرائد مآثر، مرصعة في صحف الدفاتر. ونوادر مكارم حوت المحامد والمفاخر. فملأ بيت آثاره من تلك الموانح النفيسة وشحنه، بعد أن شيد أركان منازل المجد بأنواع النوال وحصنه. وتقحم بذلك نجاد المعالي ووصل إلى أغوارها