والرسوم فحل من الجوزاء مكانة ومن الثريا مقاما، وركب من ظهر الأدب ظهرا ومن القريض سناما.
لو أبصره المتنبي لاتخذ من كماله طريقا ومن أدبه سبيلا. أو أدركه أبو فراس لجعله لفراسته عونا ولكمالاته خليلا.
كاتب إذا صعدت أنامله منبر اليراع خلتها تنقط نورا، وتفتق عبيرا، وشاعر إذا غردت بلابل طبيعته على أغصان حسبتها ترصف زهرا وتنمق غديرا. فلكل ثلمة من ثغور الأدب سداد، ولكل معضلة من النشيد مرجع ومعاد.
أبصرت هذا ناسخا فرأيته ... أعيى وأعمى أن يحد ويوصفا
فكأنما منح السماء صحيفة ... والليل حبرا والكواكب أحرفا
وصل من النظم إلى منتهاه، وتصرف في القريض بين سماكه وسهاه، حين شحن في كمالاته الأذهان والالباب، وولج مدائن المعارف وأبيات اللطائف من كل باب.
فهو أول من دخل إلى معالم حسن الخط وظهر، وأول من حاك برود الأدب على نول البلاغة والفصاحة فاشتهر. فقدح زندا، وأورى خزامى وندا، فصدح قلمه ونطق، وغرد على هذا المنوال والنسق، فأنشأ وانشد، وطلب من المعالي المكان الأبعد، فقال:
ما زلت اطلب في المعال طريقة ... غيري إليها من الورى لم يسلك