للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيا: وأما قولهم: إن معنى قوله: «فاقدروا له» بمعنى التضييق, فيجاب عنه: أن معنى الحديث: قدروا له تمام العدد ثلاثين يوما, أي انظروا في أول الشهر, واحسبوا تمام ثلاثين يوما.

قال الخطابي (١): "فاقدروا له معناه التقدير له بإكمال العدد ثلاثين. يقال: قَدَرْتُ الشيء أَقْدره قَدْرا، بمعنى: قَدَّرْتُه تَقديرا، ومنه قوله تعالى: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} (٢) " (٣).

ثالثا: وأما قولهم: إن صوم السرار يكون مع الغيم, والنهي عن التقدم يكون في الصحو، فيجاب عنه من وجهين:

الأول: إن العلماء اختلفوا في معنى السرار: فقيل السرار أول الشهر, وقيل أوسطه، وقيل آخره (٤).

الثاني: وعلى التسليم بأن السرار هو آخر الشهر, فيكون الجمع بين الحديثين ممكن وذلك: بأن يحمل النهي عن التقدم على من ليست له عادة بذلك، ويحمل الأمر بصيام السرار على من له عادة (٥).

رابعا: وأما استدلالهم بآثار الصحابة الذين كانوا يصومون يوم الشك فيجاب عنه بما يلي:

أما الرواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه -؛ فرواية ضعيفة لا تحفظ إلا من هذا الوجه (٦).

وكذلك أثر معاوية رضي الله عنه؛ فإنه ضعيف لا يصح (٧).

وأما الاحتجاج بصيام بعض الصحابة - رضي الله عنهم - ممن ثبت صيامهم؛ فلا دلالة فيه على وجوب صيام يوم الشك؛ وذلك لأنهم قالوا: "لأن نصوم يوما من شعبان أحب إلينا من أن نُفطِر


(١) هو: أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي, كان إماما في الفقه والحديث واللغة, من أشهر شيوخه: أبي بكر القفال, وأبي علي بن أبي هريرة، وغيرهما, وعنه: الحاكم، والشيخ أبو حامد الإسفراييني, من مؤلفاته: معالم السنن, وكتاب غريب الحديث, توفي سنة ٣٨٨ هـ, ينظر: طبقات الشافعية الكبرى ٣ - ٢٨٢, طبقات الشافعيين ص ٣٠٧, طبقات الفقهاء الشافعية ١/ ٤٦٧.
(٢) سورة المرسلات: آية: ٢٣.
(٣) معالم السنن ٢/ ٩٤.
(٤) ينظر: السنن الكبرى للبيهقي ٤/ ٣٥٥، وشرح مسلم للنووي ٨/ ٥٣ - ٥٤.
(٥) ينظر: نيل الأوطار ٤/ ٣٠٨، حاشية ابن القيم على سنن أبي داوود ٦/ ٣٢٣ - ٣٢٤.
(٦) ينظر: المجموع ٦/ ٤٣٢.
(٧) ينظر: العلل المتناهية لابن الجوزي ٢/ ٣٨، وطرح التثريب ٤/ ١١١.

<<  <   >  >>