للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثا: قال -بعد أن ذكر تأويلات بعض أهل العلم لصفة الفرح الواردة في حديث أنس - رضي الله عنه - (١) -: "قلت: كل صفة وصف الله بها نفسه، أو وصفه بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي صفة حقيقة لا مجاز، فهو تعالى يسمع ويبصر ويتكلم بما شاء، متى شاء، ويرضى ويسخط، ويَعجَب ويَفرَح بتوبة عبده، ومعنى كل ذلك معلوم والكيف مجهول، فنثبت له ذلك كله ولا نكيفه ولا نشبهه بصفات المخلوقين، ولا نؤوله ولا نعطله" (٢).

عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين: بين الشيخ عقيدته الموافقة لعقيدة السلف الصالح, حيث قال: "قلت: الحق والصواب عندنا أن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته بمعنى التوسل بدعائه وشفاعته جائز, وهذا هو الذي وقع في حديث الأعمى الذي نحن في شرحه كما تقدم وسيأتي (٣) أيضا، وكذا التوسل بغيره - صلى الله عليه وسلم - من أهل الخير والصلاح في حياتهم بمعنى التوسل بدعائهم وشفاعتهم جائز أيضا، وأما التوسل به - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته, وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح بعد مماتهم, فلا يجوز سواء كان بذواتهم أو جاههم أو حرمتهم أو كرامتهم أو حقهم, أو نحو ذلك من الأمور المحدثة في الإسلام، وكذا لا يجوز دعاء غير الله من الأموات والغائبين، وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية في رسالته في التوسل والوسيلة، وقد أشبع الكلام في تحقيقه وأجاد فعليك أن تراجعها" (٤).

والأمثلة كثيرة، ولعل ما ذكر يكفي لبيان أن الشيخ كان على معتقد صحيح ولم يتأثر بالعقائد المخالفة التي كانت منتشرة في تلك البلاد.


(١) حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدِكم ... » الحديث. رواه مسلم ٤/ ٢١٠٢, رقم ٢٦٧٥, كتاب التوبة باب في الحض على التوبة والفرح بها.
(٢) مرعاة المفاتيح ٨/ ٢٧.
(٣) هو حديث: عثمان بن حنيف - رضي الله عنه -، أن رجلا ضرير البصر أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ادع الله أن يعافيني قال: «إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك». قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: «اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه في» , رواه أحمد ٢٨/ ٤٧٨ رقم ١٧٢٤٠ و ١٧٢٤١, والترمذي ٥/ ٥٦٩ رقم ٣٥٧٨, في أبواب الدعوات, وقال: "حسن صحيح غريب", وصححه الألباني في رسالته: "التوسل أنواعه وأحكامه" ص ٦٩.
(٤) مرعاة المفاتيح ٨/ ٢٦٦.

<<  <   >  >>