للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: نشأته, وطلبه للعلم.]

نشأ شيخ الحديث المباركفوري في حضن أسرة كانت بحرا زاخرا بالعلم والعمل بالسنة, وترعرع في أكنافها حيث ينابيع العلم الصافي، ولأن والده كان من العلماء الربانيين فإنه لم يألُ جهدا في تعليمه وتربيته, وكان يصحبه معه حيث ذهب، فكان له أحسنَ ما يكون الوالد لولده، مربيا ومعلما, فظهرت ثمرة ذلك في سن مبكرة من عمر الشيخ، فانكب على طلب العلم والعمل به، واشتهر بالخير والصلاح والزهد والتقوى.

وقد قرأ الشيخ الكتب الابتدائية في قريته صُوْفِيْ فُوْرَة في مدرسة دار التعليم عند الشيخ أصغر, والشيخ الشاه محمد, ثم ارتحل مع أبيه لطلب العلم إلى المدرسة العالية العربية ببلدة مئو من بلاد أعظم كره عندما عيِّنَ والده مدرسا في هذه المدرسة. فدَرَسَ هنالك الكتب الأردية, والفارسية الرائجة آنذاك في المدارس الأهلية برعاية أبيه.

ثم في سنة ١٣٤٥ هـ, الموافق ١٩٢٧ م انتقل مع والده إلى مدرسة سراج العلوم "بونديهار" في قرية من قرى "غوندا" في الولاية الشمالية في الهند؛ لإرواء غليله وإشباع نهمته العلمية, فدرس كتب النحو, والصرف, والأدب, والفقه, والمنطق, والهندسة, كالكافية لابن الحاجب, وشرحها لملا جامي, وشرح الوقاية, ومشكاة المصابيح, والسراجية في علم الفرائض, وشرح الشمسية المعروف بالقطبي, وديوان المتنبي, وأقليدس، كل ذلك قرأه على والده.

وفي سنة ١٣٥١ هـ, الموافق ١٩٣٣ م عين والد الشيخ مدرسا في مدرسة دار الحديث الرحمانية بدهلي، فذهب الشيخ مع أبيه لينهل من معين ذلك الصرح الكبير، علوم الكتاب والسنة المطهر، على أيدي فحول العلماء.

فدَرَس من كتب الحديث: الصحيحين للإمامين البخاري ومسلم، والموطأ للإمام مالك على العلامة أحمد الله البرتابكرهي الدهلوي , وحصل منه على الإجازة برواية كتب الحديث. ودرس كتب العلوم العقلية، وكتب الفقه مع أصوله (١).

وفي أثناء هذه المسيرة العطرة للشيخ المباركفوري, حدث أمر جلل، فقد انتقل والد الشيخ إلى الرفيق الأعلى، فلم يوهِن هذا الخطب العظيم من عزيمة الشيخ في طلبه للعلم بل


(١) وقد ذكر أخونا نوح عالم في رسالته اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري ص ٢٥ كثيرا من أسماء الكتب التي قرأها الشيخ.

<<  <   >  >>