للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن حزم: "وصَحّ أنها -أي القبلة- حسنة مستحبة، سُنَّة من السُنَن، وقُربة إلى الله تعالى، اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ووقوفا عند فتياه بذلك" (١).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: التفريق بين من يملك نفسه ومن لا يملك نفسه؛ وذلك أن كثيرا من الأحاديث التي ذُكِرت هي موضع اشتراك في الاحتجاج بها بين أصحاب الأقوال المذكورة، إلا أن التفصيل المذكور في حديث عائشة، وابن عباس - رضي الله عنهما -، يقوي دلالتها على أن المقصود ما رآه أصحاب القول الأول من التفريق بين من يملك نفسه ومن لا يملك، وكذا التفريق بين الشاب والشيخ.

وتحمل الأحاديث التي فيها النهي -إن صحت- على من لا يملك نفسه، وأما الأحاديث التي فيها جواز التقبيل فتحمل على من ملك إربه والله أعلم.

وأما الجواب عما استدل به الآخرون فيكون بما يلي:

أولا: يجاب عن أدلة المبيحين للقبلة مطلقا، بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فصل في الحكم، فلا معنى لإبقاء الأحاديث على عمومها بعد تفصيله - صلى الله عليه وسلم - والتفصيل المذكور هو ما جاء في أدلة القول الذي ترجح من حديث عائشة وابن عباس - رضي الله عنهما -، من إباحة القبلة لمن ملك إربه، وهو ما عُبِّر عنه بالشيخ، ومنع من لم يملك إربه، وهو المُعبَّر عنه بالشاب؛ جريا على الأغلب من حاليهما.

وأيضا: فالأحاديث التي استدلوا بها في إباحة التقبيل للصائم عامة، والأحاديث القاضية بالتفصيل أخص منها، فيبنى العام على الخاص (٢).

ثانيا: وأما استدلال أصحاب القول الثالث بحديث عائشة - رضي الله عنها - على كراهة التقبيل مطلقا والذي فيه قولها: «وأيكم أملك لإربه» , فيجاب عنه:

أن كلام عائشة - رضي الله عنها - هذا محمول على من تحركت شهوته؛ لأن فيه تَعرُّضا لإفساد العبادة، كما أشعَر به قولها: «كان أملككم لإربه». فحاصل ما أشارت إليه - رضي الله عنها - إباحة القبلة والمباشرة بغير جماع لمن ملك إربه دون من لا يملكه (٣).


(١) المحلى ٤/ ٣٤١.
(٢) ينظر: نيل الأوطار ٤/ ٢٥١.
(٣) ينظر: شرح الزرقاني على الموطأ ٢/ ٢٤٢.

<<  <   >  >>