للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثاني: وعلى فرض صحته؛ فإنما يُفسَر بأنه - صلى الله عليه وسلم - قد أجاب عن صائمَين بأعيانهما، وعَلِمَ - صلى الله عليه وسلم - أنهما لا يملكان أنفسهما، فقال ذلك فيهما، أي أنه إذا كانت القبلة منهما، فقد كان معها غيرها مما يضرهما (١).

الوجه الثالث: أن حديث أبي سعيد الخدري ¢ في ترخيصه - صلى الله عليه وسلم - في القبلة للصائم ناسخ لهذا الحديث -وإن صح-؛ لأن الرخصة تأتي بعد المنع (٢).

الثالث: وأما استدلالهم برؤية عمر ¢ للنبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن الحديث انفرد به راوي ضعيف فلا تقوم به الحجة (٣).

الوجه الثاني: وعلى التسليم بصحة الحديث؛ فإن الشرائع لا تؤخذ من المنامات؛ لا سيما وقد افتى النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر في اليقظة بإباحة القبلة, وهو في ذلك الوقت أشد وأقوى منه حين رأى هذا المنام, فمن المحال أن ينسخ - صلى الله عليه وسلم - تلك الإباحة بعد موته حين كان عمر أسن وأضعف من ذلك الوقت (٤).

الرابع: وأما استدلالهم بأثر ابن مسعود ¢ فيجاب عنه:

أن هذا محمول على ما إذا قبل فأنزل، والتفسير الذي جاء في الأثر هو من بعض الرواة وليس من كلام ابن مسعود (٥).

والدليل: أنه قد ثبت عن ابن مسعود - رضي الله عنه -؛ «أنه كان يباشر امرأته بنصف النهار، وهو صائم» (٦).

سابعا: وأما ما استدل به ابن حزم من استحباب القبلة حتى وإن أفضت إلى الإنزال فيجاب عنه:

بأن القول بالاستحباب فيه شيء من المجازفة، وذلك لأمور:

الأمر الأول: أن الأحاديث الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأت في واحد منها بيان استحباب القبلة للصائم.

الأمر الثاني: أن هذا القول لم يقل به أحد من السلف.


(١) ينظر: شرح معاني الآثار ٢/ ٨٩.
(٢) ينظر: المحلى ٤/ ٣٤٣.
(٣) انفرد به عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف. ينظر: الجوهر النقي ٤/ ٢٣٢, وتقريب التهذيب ١/ ٤١١.
(٤) ينظر الجوهر النقي ٤/ ٢٣٢.
(٥) ينظر: السنن الكبرى للبيهقي ٤/ ٣٩٥, حاشية ابن القيم على سنن أبي داوود ٧/ ١١.
(٦) سبق تخريجه صفحة (٢٦٣).

<<  <   >  >>