وإن من أشرف العلوم التي ورِثَها العلماء عن سيد ولد آدم أجمعين، علم الفقه في الدين، إذ به يُعرف الحلال والحرام، وتُردُّ الحقوق إلى الأنام، ويعبد المسلم ربه على بصيرة، فيكون لربه من العابدين، ولنبيه من المتبعين، وعن سبيل أهل الضلال والبدع من النائين، فحاجة المسلم إليه كحاجته إلى الماء، والغذاء، والهواء؛ لبقاء الحياة.
وممن سخره الله سبحانه وتعالى لهذا العلم الجليل والشرف العظيم، العالِم المحدِّث الفقيه: أبو الحسن عبيد الله الرحماني المباركفوري صاحب: "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح", الذي يُعدّ عَلَمًا من أعلام عصره, وكان حلقةً فريدةً من السلسلة الذهبية لمعشر المحدثين في الهند (١).
وكيف لا يكون كذلك وقد كان من علية العلماء المحدثين, وصاحب الباع الطويل في الفقه, وصاحب الحظّ الوافر في إبراز المسائل الفقهية على ما يقتضيه الدليل, ومن قرأ كتابه مرعاة المفاتيح عَلِم عِلْم اليقين أن الشيخ كان محدثًا، وفقيهًا، وأصوليا، ولغويا بارعا, وقد بذل جهده, وسخّر الغالي والنفيس في خدمة هذا الدين, ونشر الفقه الصافي, وتخليصه من أدران التعصب والتطرف, فكان له الأثر البالغ في إحياء كثير مما اندرس في جانب الفقه والحديث، وأضحت له آراء يعتدّ بها في الفقه، واختيارات هي نتاج مجتهد متبع للدليل مستفرغ الجهد في معرفة الحق واتباعه.
ومن المعلوم أن الاختيارات الفقهية من العلوم التي اهتم بها العلماء قديما وحديثا، فهذا الإمام الفاضل أبو يوسف من تلامذة الإمام أبي حنيفة? صنف كتاب:"اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى"، جمع فيه ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى من المسائل, ثم أخذه عنه الإمام محمد بن الحسن, ثم نقله الإمام الشافعي عن محمد بن الحسن وذكر فيه اختياره, وهو الكتاب المسمى بـ:"اختلاف العراقيين".
(١) ينظر: مجلة المحدث الشهرية بالأردية تصدر من بنارس الهند العدد ١٦٨ - ١٦٩ عام ١٤١٧ هـ ص ٩.