للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبب الخلاف: وسبب هذا الخلاف: هل نهي النبي صحابته عن الوصال يُحمل على التحريم أو على الكراهة؟ ، ثم إذا حُمِلَ النهي على الكراهة، فهل هي لأجل ما يلحق من المشقة والضعف، فإذا أمن من ذلك، جاز، أم تُسَدُّ الذريعةُ فلا يجوز؟ (١).

أدلة القول الأول: القائلين بأنه يباح لمن لم يشق عليه ويحرم على من شق عليه.

الدليل الأول: عن عائشة - رضي الله عنها -، قالت: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال رحمة لهم»، فقالوا: إنك تواصل، قال: «إني لست كهيئتكم، إني يُطعمني ربي ويَسقيني» (٢).

وجه الاستدلال: أنه - صلى الله عليه وسلم - واصل بأصحابه بعد النهي، فلو كان النهي للتحريم لما أقرهم على فعله، فعلم أنه أراد بالنهي الرحمة لهم والتخفيف عنهم كما صرحت به عائشة في حديثها؛ وهذا مثل ما نهاهم عن قيام الليل خشية أن يفرض عليهم، ولم ينكر على من بلغه أنه فعله ممن لم يشق عليه. فمن لم يشق عليه ولم يقصد موافقة أهل الكتاب ولا رغب عن السنة في تعجيل الفطر لم يمنع من الوصال (٣).

الدليل الثاني: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثني رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحجامة والمواصلة، ولم يحرمهما؛ إبقاءً على أصحابه» (٤).

وجه الاستدلال: قوله: «إبقاءً على أصحابه» يدل على أن الوصال ليس بحرام ولا مكروه من حيث هو وصال، لكن من حيث يذهب بالقوة. فالصائم إن وجد من نفسه القوة على الوصال جاز له ذلك من غير كراهة (٥).

الدليل الثالث: ولأن الأحاديث التي سبق ذكرها تبين أن النهي عن الوصال إنما هو رحمة بالناس، وإبقاء على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا تعليل للنهي عن الوصال، والعلة تدور مع


(١) ينظر: رياض الأفهام ٣/ ٣٧١ - ٣٧٢.
(٢) رواه البخاري ٣/ ٣٧ رقم ١٩٦٤, في الصوم باب الوصال، ومن قال: "ليس في الليل صيام", واللفظ له, ومسلم ٢/ ٧٧٦ رقم ١١٠٥, في الصيام, باب النهي عن الوصال في الصوم.
(٣) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٠٤، عمدة القاري ١١/ ٧٢.
(٤) رواه أبو داود ٢/ ٣٠٩ رقم ٢٣٧٤, كتاب الصوم, باب في الرخصة في ذلك, وأحمد ٣١/ ١١٩ رقم ١٨٨٢٢, وقال محققه شعيب الأرنؤوط: "إسناده صحيح", وقال الألباني في صحيح أبي داود ٧/ ١٣٧: "إسناده صحيح، وكذا قال الحافظ". أي ابن حجر.
(٥) ينظر: عمدة القاري ١١/ ٧٢، والاستذكار ٣/ ٣٣٥.

<<  <   >  >>