للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الرابع: ولأن الوصال مجرد تركٍ للأكل بغير نية الصوم، على وجه لا يخاف معه التلف ولا ترك واجب, ومثل هذا لا يكون محرما (١).

الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثالث: أنه يُكره الوصال، وأن تركه هو الأفضل والأولى، وأن التقرب إلى الله عز وجل بالوصال من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك لصحة ما استدلوا به، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يمنع الصحابة الكرام من الوصال رغم أنه قد كرِه وصالهم ونهاهم عنه، فلو كان محرما لما تركهم يواصلون.

وأما الجواب عن ما استدل به أصحاب القولين الآخرين فيكون بما يلي:

أولا: أما القول بجواز الوصال بلا كراهة: فتَأباه الأدلة؛ فنهيه - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة- عن الوصال، وغضبه - صلى الله عليه وسلم - عندما واصل أصحابه معه، كل ذلك يجعل القول بالجواز دون كراهة قولا ضعيفا؛ فلو كان الوصال جائزا بلا كراهة لما غضب - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان الوصال يجوز لمن لم يشق عليه بلا كراهة، لبَيَّن لهم - صلى الله عليه وسلم - ذلك.

ثانيا: وأما أصحاب القول بتحريم الوصال فيجاب عنهم بما يلي:

الأول: أما استدلالهم: بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فيجاب عنه:

بأن يقال: لو صح هذا المعنى الذي ذكروه لم يكن للوصال معنى أصلا، ولا كان في فعله قربة من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الجميع متفقون أن الوصال قربة في حقه - صلى الله عليه وسلم - كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة التي بينت تقربه - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه بفعله (٢).

الثاني: وأما استدلالهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أقبل الليل من ها هنا ... » الحديث, فيجاب عنه:

أن هذا الحديث لا ينافي الوصال؛ لأن المراد بأفطر دخل في وقت الإفطار لا أنه صار مفطرا حقيقة كما قالوا؛ لأنه لو صار مفطرا حقيقة لما ورد الحث على تعجيل الإفطار، ولا النهي عن الوصال، ولا استقام الإذن بالوصال إلى السحر (٣). ويكون معنى: «فقد أفطر الصائم»، جملة خبرية بمعنى الأمر، أي: فليفطر الصائم إذ قد حل له الإفطار (٤).


(١) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٥٣٧, وفتح الباري ٤/ ٢٠٥.
(٢) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٠٣.
(٣) ينظر: سبل السلام ١/ ٥٦٦, إكمال المعلم ٤/ ٤٠, عمدة القاري ١١/ ٧٣.
(٤) ينظر: صحيح ابن خزيمة ٢/ ٩٨٩.

<<  <   >  >>